الصين تُصدّر للعالم التنمية وليس المخاطر

 

تشو شيوان

بكلمات أجدها من ذهب، قال عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني تشين قانغ- الذي نفذ زيارة لأوروبا شملت ألمانيا وفرنسا والنرويج: "إن ما تُصدّره الصين إلى أوروبا والعالم هو اليقين وليس المخاطر"، واليقين دائمًا مساره التنمية، بعكس المخاطر التي قد تؤدي لنزاعٍ أو تأثر سلبي للتنمية والتطور.. فهل بدأ العالم يفهم توجهات الصين الدولية وأن الصين تريد تصدير التنمية وليس المخاطر، بعكس بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي دائمًا ما تصدر المخاطر للعالم وتضع الشعوب في مأزق حقيقي.

خلال الجولة الأوروبية، طرح وزير الخارجية الصيني 3 مبادئ ترمي إلى الحفاظ على التنمية المستقرة للعلاقات الصينية الأوروبية؛ حيث حث تشين على وجوب التمسك بنظرة عالمية شاملة، قائلًا إنه ينبغي على الصين وأوروبا احترام ودعم مسارات التنمية لمختلف الدول التي تم اختيارها من قبل شعوبها، كما دعا إلى التمسك برؤية تقدمية للتاريخ، مشيرا إلى أن الحرب الباردة كانت مأساة للبشرية. وحث الصين وأوروبا على معارضة "الحرب الباردة الجديدة"، ودعا أيضًا إلى التمسك بمنظور التعاون متبادل المنفعة والمربح للجانبين. وقد شدد تشين على أن الصينَ شريكٌ لأوروبا في التعامل مع التحديات والمخاطر.

وإن تحدثنا على التحديات والمخاطر سنجد بأن أمريكا هي من جلبتها للدول الأوروبية بعد سلسلة من الإجراءات والقرارات الاقتصادية والسياسية الخاطئة التي جلبت المخاطر لدول العالم أجمع.

ومن الجانب الأوروبي أذكرُ جيدًا تصريحات فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري خلال مؤتمر صحفي سنوي أقيم قبل شهور قال فيه: "إنَّ أوروبا ستفقد قدرتها التنافسية إذا لم تتعاون مع الصين"،  وأوضح أن الصين أصبحت أكبر مصدر للاستثمار في المجر. وإذا نظرنا لوجهة النظر هذه سنجد أنَّ الصين تأتي دائمًا بالاستثمار والمشاريع وتطوير البنى التحتية وفتح المصانع وتعزيز التجارة، وكل هذه الأمور من شأنها الإعمار وليس الدمار، والصين لم تفرض أي شروط على أي دولة لتعزيز التجارة بداخلها بل تجد المصالح المشتركة تلتقي بالتجارة والصناعة وتطوير العلاقات، ولهذا من وجهة نظري أن رؤية الصين بهذه الصورة هي الصورة الحقيقية للسياسات الصينية تجاه دول أوروبا وأيضاً دول العالم أجمع.

الحقائق تُشير إلى أن الولايات المتحدة تصف أوروبا بأنها حليف مهم، لكن في الواقع، الولايات المتحدة تجعل أوروبا تدفع ثمن الأزمات وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها فالولايات المتحدة الأمريكية تستغل الأزمة الأوكرانية مما جعل الدول الأوروبية تعاني بشدة من ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الطاقة، وعلى ما يبدو أن الدول الأوروبية لم تعد لديها نفس الثقة بالولايات المتحدة كشريك وحليف يمكن الوثوق فيه طالما كان هذا التحالف مبنياً على مصلحة طرف على حساب طرف، وطالما أن مصالح الولايات المتحدة تؤثر بشكل سلبي على الدول الأوروبية وحياة شعوبها فلن يبقى الحال كما هو عليه طويلاً خصوصاً وإن إشارات التغيير بدأت جلية في المشهد السياسي العالمي.

وإذا نظرنا إلى الجانب الاقتصادي بين الصين والدول الأوروبية فقد أظهرت أحدث الإحصاءات أنه في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، كانت هناك 2129 رحلة قطار شحن بين الصين وأوربا عبر ميناء ألاشانكو للسكك الحديدية، وذلك بزيادة 12.82% على أساس سنوي. بينما كانت هناك 2485 رحلة قطار شحن عبر ميناء خورجوس، ما يمثل زيادة بنسبة 14.8% على أساس سنوي، وقد وصل عدد رحلات قطارات الشحن بين الصين وأوروبا إلى مستوى قياسي جديد مما يجعل دور الممر الذهبي بين آسيا وأوروبا بارزًا بشكل متزايد ويدفع ويؤدي دورًا مُهمًا في دفع بناء المنطقة الاقتصادية الجوهرية لطريق الحرير وتعزيز تنمية التجارة الخارجية بين الصين والدول الأوربية، والاقتصاد أحد فروع التنمية المهمة التي تعتمد عليها الكثير من القطاعات والخدمات، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتعارض التنمية لأي بلد مع التنمية الاقتصادية، وهذا ما تبنيه الصين مع شركائها حول العالم بأن تصدر لهم اليقين والتنمية وليس المخاطر.

في اعتقادي أنَّ الصين خلال السنوات الماضية أثبتت أنها شريك للتنمية والتطور والبناء لجميع دول العالم وباتت الصين رافدا أساسيا في تعزيز التجارة والاقتصاد والاستثمار للعديد من الدول، وهذا كله من شأنه أن يعزز التعاون بين الصين والدول المختلفة، والأمر لا يقتصر على الاقتصاد فأيضًا الجانب السياسي الذي أجادته الصين بأن تكون حليفًا وصديقًا للجميع وقت الأزمات والمشاكل والنزاعات والدخول في وساطة لحل الخلافات هو أيضًا جانب من جوانب التنمية التي تصدرها الصين للعالم، ويومًا بعد يوم يبدأ العالم في تشكيل أو إعادة تشكيل وجهة نظرهم عن الصين وفي النهاية ستنطبع صورة واحدة "الصين تُصدِّر التنمية لا المخاطر".

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

الأكثر قراءة