إلى صديقي.. دفع الله السوداني

 

سالم بن نجيم البادي

التقيت ذات شتاء بالشاب دفع الله السوداني معلم اللغة الإنجليزية في ولاية ينقل، رأيت في ملامح وجهه عذابات الغربة وألم فراق الأهل والوطن ونظراته الشاردة وجسده النحيل، وكنت قد جربتُ الغربة واكتويت بنارها، وربما لهذا السبب حدث التقارب بيننا.

كان دفع الله حلو المعشر، هادئ الطباع، يميل إلى الصمت والعزلة، وهناك أسباب أخرى أشد عمقًا دفعتني إلى التقرب من دفع الله، وهي حب الإسلام والعروبة. السودان الذي جاء منه دفع الله بلد عربي مسلم، وله مكانة مرموقة في الوجدان العربي، وعبر تاريخه كان مع العرب ومناصرًا لقضايا العرب والمسلمين، ومنه انطلقت اللاءات الشهيرة ضد الكيان الصهيوني، وبرغم عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية التي مرت به في بعض الفترات، إلا أن ولاءه العربي ظل راسخًا في كل الأحوال. وصديقي دفع الله يتواصل معي حتى بعد أن عاد إلى بلده، وكان تواصله على فترات متباعدة، لكنه التواصل الراقي الذي لا يمل، والأسلوب الجميل المهذب، وكان لا يُخفي حنينه إلى عُمان ورغبته المُلحة في العودة إليها. وكنت أخجل منه لأنه لا حيلة لي في إيجاد فرصة عمل له هنا في عُمان.

يا صديقي العزيز.. يؤلمنا نحن في عُمان ما يجري عندكم الآن، وأنتم أهلنا وإخوة لنا في الدين والعروبة، نتألم عندما تتألمون، ويؤذينا منظر القتلى والجرحى والدمار في شوارع السودان، ويزعجنا نقص المواد الغذائية في أسواقها وشكوى الناس من ندرة وجودها وغلائها، رغم أنَّ السودان سلة غذاء العالم العربي وأرضه الطيبة حبلى بالخيرات.

السودان قريب من الروح والقلب، وهو كان ولا يزال يمد الثقافة العربية بقامات من الأدباء والشعراء والعلماء والفقهاء والأطباء، ولقد قرأت للكثير من الأدباء والشعراء من السودان، وأبرزهم الأديب الكبير الطيب صالح، وروايته الأشهر "موسم الهجرة إلى الشمال"، التي أعدتُ قراءتها مرات كثيرة، وقد ساهمت هذه الرواية في تأصيل حب السودان وتضاريسه وأنهاره والقرى والأرياف والعادات والتقاليد والناس وطقوسهم والأعمال التي يمارسونها وحياتهم اليومية، وكذلك روايته "عرس الزين" وكل أعماله الأدبية، وأحببتُ شعرالشاعر محمد الفيتوري والشاعر مصطفى سند. وقد جاءت إلى الخليج العربي أعدادٌ كبيرة من المعلمين في المدارس وأساتذة الجامعات من السودان، وكنت محظوظًا أن درستُ على يد ثلة متميزة من المعلمين السودانيين في جميع المراحل الدراسية.

ما زلت أذكر الدكتور بابكر الذي درسني في كلية الشريعة والقانون في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ومن هؤلاء المعلمين البارزين المعلم عبدالرحمن الذي قضى وقتًا طويلًا معلمًا للغة الإنجليزية في مدرسة جعفر الطيار في ولاية ينقل وترك الأثر الذي لا يُمحى في نفوس كل الطلبة الذين درسهم، وكان دمث الأخلاق، متواضعًا، غزير العلم، محبوبًا من الطلاب، وكان الناصح الأمين والقريب من الطلبة، وكأنه الأب الحنون والصديق الحميم لكل طالب، وكان حازمًا وصارمًا أحيانًا وهينًا لينًا أحيانًا أخرى حسب متطلبات المواقف المختلفة،

وكان مُجيدًا ومُخلصًا في عمله وقدوة حسنة لزملائه والطلاب، ومحط إعجاب وتقدير من أولياء أمور الطلاب.

يا أهلنا في السودان.. لقد كانت الصدمة مذهلة وما حدث يصعب تصديقه، ويثير العجب أن تشتعل الحرب في شهر رمضان وفي العشر الأواخر منه وتستمر في عيد الفطر، ولقد زادت جروحنا العربية نزفًا وكُنّا نرجو أن تنتهي الحرب في دارفور، وأن يعم السلام جميع ربوع السودان، وأن يظل السودان مُوحدًا وقويًا وسندًا وذخرًا للعرب، وكُنّا نأمل أن لا تعود الحرب مرة أخرى بعد الحرب المأساوية الطويلة مع الجنوب، والتي انتهت بطريقة مؤلمة وهي انشطار جنوب السودان عن شماله.

نحبكم ونحب السودان العزيز الغالي.. وأعلم أنه ليس أنتم من أوقد نار الحرب، وإنكم تكتون بنيرانها، وقد آن الأوان ليعود الاستقرار إلى السودان وأن تصمت طبول الحرب وأن تهدأ الصراعات القبلية التي تحدث بين فترة وأخرى في بعض مناطق السودان، وأن يعود السلام والحب والوئام بين جميع أطياف الشعب السوداني. حفظكم الله، وقلوبنا معكم، ونسأل الله لكم العافية والسلامة، وأن تنتهي هذه الحرب قريبًا.

والسلام على أصدقائي دفع الله وعبدالرحمن والسلام وكل أهل السودان.