القوة الناعمة العُمانية

 

خلفان الطوقي

ما لا يؤخذ بالقوة الخشنة، يمكن أن يؤخذ بالقوة الناعمة، وهذا ما عهدت به الدول المتقدمة منذ عقود من الزمن، ويظهر ذلك جلياً في صور كثيرة مثل البعثات التعليمية أو العلامات التجارية أو المهرجانات الدولية وغيرها من الصور، فكثيرا من الدول استطاعت أن ترسم صورة ذهنية مميزة من خلال ما يسمى بالقوة الناعمة، وهناك أمثلة عالمية متفق عليها كالأفلام الأمريكية الهوليودية أو الدراما التركية بالنسبة للعرب أو جائزة الأوسكار العالمية أو العطور الفرنسية أو قناة الجزيرة في قطر أو السيارات الألمانية والألعاب الإلكترونية اليابانية وغيرها الكثير.

 وبما أن المقالة عن سلطنة عمان، فيمكن أن نذكر عددا من الأمثلة كجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، وجائزة اليونسكو للسلطان قابوس لصون البيئة، والمواقف  السياسية المشرفة، والوساطات الدبلوماسية  الناجحة، ومعرض رسالة الإسلام من عمان الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والذي طاف أكثر من 130 عاصمة حول العالم، وكراسي السلطان التعليمية المنتشرة في بعض الجامعات المرموقة، ومجلة نزوى التي تستهدف المثقفين العرب في الدول العربية، والمنح المقدمة من كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، والبعثات الدراسية لكلية الشريعة، والسمعة المميزة للحلوى العمانية، وخصوصية دفن وطبخ الشواء العماني، والمنتج الشهير لبطاطس "شيبس" عمان، وغيرها من الأمثلة.

يتضح من الأمثلة المذكورة أعلاه أن هناك أمثلة ممولة من الحكومة وبعضها مستقل، ويمكن وضعها  في خانة القوة الناعمة العمانية بشكل مباشر أو غير مباشر، وما يعنينا هو الممول من موازنة الدولة، فمثل هذه المبادرات والبرامج تحتاج لحصرها، وإعادة تقييمها من المختصين الأكفاء، وقياس أثرها للمرحلة الماضية، وبعدها يمكن تحديد الخطوات المستقبلية في تطوير بعض المبادرات والبرامج، وتوفير جميع عوامل النجاح لترقيتها ورفع مستواها، ودارسة الأثر المستقبلي المتوقع، وإلغاء البعض الآخر، واستحداث بعض المبادرات النوعية والتي تتوافق مع الأهداف العالمية والأولويات الوطنية، وتتناسب مع المعطيات العصرية، وطرح سؤال جوهري وهو هل لدينا الأدوات وعناصر النجاح اللازمة لاستمرار أو استحداث أي مبادرة مستقبلا لتكون ضمن أجندة القوة الناعمة العمانية؟، وأين يمكن لهذه البرامج أن يكون مستواها وترتبيها حسب دول العالم؟ بمعنى آخر هو أن تكون المبادرة مؤثرة وتحقق الأهداف المرسومة لها، وإلا فلا داعي لها.

عشرات المبادرات والبرامج التي يمكن أن تكون ضمن أجندة القوة الناعمة العمانية بعضها وجد واختفى، وبعضها ما زال موجودا ولكنه خافت، والبعض الآخر مستمر ولا يتناسب مع المعطيات العصرية، ولا يحقق أي أهداف وطنية، عليه لابُد من إعادة تشكيل خارطة القوة الناعمة من جديد، وبعد تحديدها بدقة يمكن تسويقها محلياً وعالميًا، وإشراك كافة السفارات العمانية أينما كانت وبلغات مختلفة، ولا بأس أن يتم ضخ ميزانية معينة لمثل هذه المبادرات النوعية، شريطة أن تصل لأكبر شريحة في العالم، وأن تؤتي بثمارها، ومضاعفة العوائد الملموسة في صورة استثمارات أو نمو سياحي، أو غير ملموسة في صورة معرفة اسم عمان وانتشاره  إيجابا، خاصة وإن علمنا أن السلطنة حققت المركز 46 على مستوى العالم في مؤشر القوة الناعمة وفق تقييم المركز البريطاني "براند فاينانس"، وتقدمه بثلاث مراتب عن العام الماضي، ويمكن بحوكمة البرامج وتخطيطها وتوحيد الجهود وتكاملها أن نكون أفضل من ذلك في المستقبل.