قبل أن تُهدم القيم

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

لا أعلمُ تحديدًا ما الجهة المسؤولة عن منح التصريح لاستضافة الفعاليات والفرق الفنية الزائرة للسلطنة، هل هي وزارة التراث السياحة إم إحدى الشركات السياحية الحكومية أم بلدية مسقط؟! وهل هناك متابعة في الأساس لنوعية الفرق وفائدتها المرجوة وتأثيرها على أبنائنا وبناتنا أم أن الأمر يتم فيه النظر في المقام الأول حول الاستفادة المالية وباقي الأمور لا أهمية لها؟! مهما بلغت أهميتها على المستوى المجتمعي.

إن كانت الموافقة تصدر سهلة مرنة بلا دراسة متعمقة للطلبات المقدمة ودون النظر لأي اعتبارات أخرى سوى الرسم المالي فهذه كارثة. والمنطق والواقع يقول إن أية جهة تتقدم لاستضافة فرق فنية أو أحد المشاهير يجب أن تدرس هذه الطلبات دراسة مستفيضة متعمقة. ويجب النظر هنا حول مدى استفادة السلطنة من هذه استضافة هذه الفرق؟

فمن ناحية الترويج للبلد إن كانت هذه حجتهم، فهناك قنوات عديدة أخرى مختصة لذلك، لكن يجب النظر إلى ما تقدمه مثل هذه الاستضافات من إضافة ترفيهية أو فكرية أوعلمية هادفة تثري أغلب شرائح المجتمع وتكون في المجمل استضافة قيمة تغذي المجتمع فكريًا وعلميًا وعقليًا .

وما يُتداول خلال الفترة الماضية حول زيارة إحدى الفرق الغنائية الكورية للسلطنة خلال الأسابيع المقبلة، على أرض السلطنة وما صاحب أخبار هذه الاستضافة المرتقبة من جدل حول ميول هذه الفرقة وما تبثه من أفكار إلحادية هدامة؛ بل ووصل الحال ما أوضحته إحدى الدراسات ذات الشأن المجتمعي في السلطنة عن اكتشاف 6 حالات انتحار في السلطنة تأثرًا بهذه الفرقة لما تبثه من سموم فكرية عقائدية هدامة.

وما قامت به الصين وهي إحدى الدول الآسيوية الكبرى من حظر لدخول هذه الفرقة لأراضيها كجزء من إصلاح المجتمع، لهو خير دليل على ما تمثله هذه الفرقة من خطوة للحفاظ على جيل الغد.

الغريب أن هذه الاستضافة جاءت بعد شهر كريم فضيل، شهر رمضان المبارك، وقبل امتحانات الطلبة؛ فهل هذا حدث مصادفةً أم أنه قد يكون أمرًا دُبِر بليلٍ؟!

كانت توجيهات مولانا سلطان البلاد- حفظه الله ورعاه- في إحدى خطبه، صريحة واضحة "في المحافظة على ترسيخ المبادئ والقيم العمانية الأصيلة المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف".

في المقابل نجد أن هناك هوة سحيقة بين ما يتربى عليه الطفل منذ النشء من قيم وعادات حميدة عبر الأسرة وما يُدرَّس من أخلاق فاضلة ودين حنيف وتسامح ديني في المدارس، وبين ما يسمعونه ويشاهدونه على أرض الواقع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي من استضافة لفرق فنية لا تمت لمجتمعنا وقيمه الأصلية بأي حال من الأحوال، وكل هذا في صالح المنتفعين من مثل هذه الحفلات؛ فما يهمهم هو كم من أموال دخل في حسابهم، أما عمَّا تسببه مثل هذه الفرق من بث لفساد فكري وهدم للقيم المجتمع، فهذا آخر اهتماماتهم!

هناك دور كبير لوزارة التربية والتعليم والمعلين الأفاضل، للتوعية بمخاطر هذا الغزو الفكري وتبيان أخطاره على أبنائنا الطلبة، ومن ثم تقديم النصح والإرشاد لهم، كما إن هناك دورًا لا يقل أهمية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية من أجل توعية ما يواجه أبناؤنا من مخاطر فكرية إلحادية شاذة تستهدف قيمهم، وبث هذه التوعية المطلوبة عبر المنابر وفي خطب صلاة الجمعة والتي يجب أن تواكب قضايا العصر، لا أن تُكرر نفس المواضيع في كل مرة وحين.

لسنا ضد استضافة الترفيه الإيجابي، ومن يُثرى العقل من العلماء، ذوي العقول المفكرة النيرة والأفكار البراقة ومن المفكرين المبدعين والدعاة المُلهمين.

وهنا.. رسالة إلى الجهة المسؤولة عن منح التصاريح- أيًّا كانت- أن تعلم وتدرك أن الأخلاق والقيم هي الأساس الذى يقوم عليه المجتمع ويقوى، ففيه صلاح الأجيال ومن بعدهم، ولا مساومة فيها ولو بأغلى الأثمان.