دمعةُ حنين على قبر ميت

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

غريبُ هذا العالم، قصيرةٌ هي الحياة، ودراماتيكية هي سيرة الأشخاص، لكل منهم حكاياته، وبداياته، ونهايته المحتومة، يسير إلى بئر الموت مغمض العينين، شاخص النظر، مرتبك الخطى، يذهب إليه دون إرادته، ، ولكن حين يصل خط النهاية، يجد "المنية" تنتظره عند النَفس الأخير، تفتح ذراعيها له، وتحتضنه ولا تفلته، حتى إذا ما لفظ أنفاسه، اتجهت إلى الشخص التالي، وهكذا هي دورة الأيام، وسيرورة الحياة، ونهايات الراحلين..يمرون واحدا تلو آخر، في موكبهم المهيب، حتى يفنى هذا الكون، ويعود غبارا وترابا كما كان.

رُبّ لحدٍ قد صار لحدا مرارا

ضاحكٍ من تزاحمِ الأضدادِ

(2)

في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، كثرت جنازات الموت، لم يمر يوم دون وفاة، أو أكثر، وكأن موسم الحصاد كان وفيرا هذا العام، لم يلتفت منجل الأرواح إلى صيحة عجوز، ولا إلى حلم شاب، ولا إلى رقة فتاة، كلهم كانوا في قبضته، توالت الوفيات بشكل يومي، ولأسباب غريبة أحيانا، وفاجعة أحيانا، ومفاجئة أحيانا أخرى، ولكن النتيجة واحدة هو الرحيل المر لمن شاركونا لحظات الفرح، والحزن، وأولئك الذين رسمنا معهم الأحلام ومسارات الدروب، أو أولئك الذين ملأوا الطرقات حكايات عطرة، وسيرا زكية..

من لم يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرهِ

تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدُ

(3)

جنازة تلو جنازة، وخليل تلو خليل، والعابرون على الحياة ينزلون تارة، ويرتحلون دون وداع، نسمع عن رحيلهم، ولا يتسنّى لنا وداعهم، نحاول أن نستعيد ذاكرتنا، ونعيد شريط ذكرياتنا، ولكن الحياة أقصر مما نعتقد، وأتفه مما نشاهد، فكم من خصام بين أخوين ظل قائما بسبب إرث، أو أرض، أو حتى شجار عابر بين الأبناء أو الزوجات، وكم من ابن نسي والديه الكبيرين، والتهى بحياته، ولم ينتبه لهما إلا حين أذّن مؤذن الرحيل، وكم صديقين حميمين بقيا دون لقاء أو حديث، يسبب خلاف على تجارة، أو سوء فهم، فلم يحفظا الود بينهما حتى انتزع الموت أحدهما من حضن الحياة، وكم من أبِ لم ينتبه إلى أولاده وهم يكبرون حوله، وظل عابدا للمال، والعمل حتى طرق الموت بابه، فانتبه إلى أنه لم بعش الحياة كما كان يعتقد.

(4)

جنازات ترحل، ومواليد يولدون، والحياة تسير دون أن تلتفت كثيرا لأولئك البشر الذين نسوا أنفسهم، وأحباءهم في خضم الحياة، وسيرورة الأيام، ولم تعد دمعة على قبر ميت، أو آهة ندم تنفعان حين يسدل الستار على الفصل الأخير من مسرحية الحياة، التي نكتبها بأيدينا، ويكتب الموت لحظة الختام، واللاعودة.

رحم الله من رحلوا عنا، وبقيت أنفاسهم، وحكاياتهم تلاحقنا، وتزاحم ذاكرتنا الملأى بهم.