العودُ أحمدُ

 

سعود بن حمد الطائي

انقضت على عجل أيام شهر رمضان الجميلة، وانقضت من بعدها أيام الزينة وفرحة الأعياد، وكان للأهل وللأحبة الحضور الدافئ، بعد أن أوشكت الأعمال ومشاغل الدنيا أن تذهب بما تبقى من حرارة اللقاء ومشاهد الحضور.

هذه المناسبات العائلية التي يتميز بها شهر رمضان المبارك تبقى حية لا تموت، ولا يتلاشى عبيرها الأخّاذ، رغم انقضاء السنين وتتابع الليل والنهار، ورغم أنَّ شهر رمضان شهر عبادة وصوم وتقرب إلى الله عز وجل، فإنَّ الدراسات العلمية والنتائج الطبية ما زالت تؤكد أن الصيام- إضافة لكونه من شعائر الإسلام الخمسة- له آثار إيجابية كثيرة على صحة الإنسان، فيه ترتاح أعضاء الجسم، ومن خلاله يتخلص الإنسان من السموم وتراكم الشحوم على الأوردة والشرايين، ورغم هذه الإيجابيات والشواهد العلمية الواضحة، إلّا أننا بحاجة إلى رؤية جديدة للتعامل مع الشهر الكريم، وأن نتخلص من الكثير من العادات الدخيلة السيئة على مجتمعاتنا الإسلامية؛ كالإسراف في موائد رمضان، والسهر الطويل إلى وقت السحور، وقلة الإنتاج في العمل، والكثير من الأمور السلبية التي تحيد بالهدف عن إيجابيات الشهر الكريم . ولنا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عبر ودروس، لو أخذنا بها لتغيرت أفكارنا، وتحسنت تصرفاتنا، فغزوة بدر- على سبيل المثال- جرت أحداثها في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة كان أيضًا في اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك، ناهيك عن أحداث جليلة أخرى ومنعطفات تاريخية مجيدة حصل الكثير منها في شهر رمضان المبارك، ومنها فتح الأندلس على يد طارق بن زياد، ومنها معركة القادسية والناس ضامرون محتسبون لله عز وجل قيامهم وصيامهم وهم يواجهون ويلات الحرب وقعقة السيوف وتقاطع الرماح، وهذا في حد ذاته يحمل الكثير من المعاني والشواهد الحية على أن الصيام لا يُعيق الأداء ولا يثبِّط العزائم، وأن الزاد القليل لا يُضعف الجسم، ولا يشل إرادة المنتصرين. وفتح مكة اكتمل والمسلمون صائمون تضاعف أجرهم وقد نذروا للرحمن صومًا وانطلقوا في طريق الشهادة.

الفكرة السائدة أن شهر رمضان ليس شهر عمل وهو شهر يتحول فيه النهار إلى ليل والليل إلى نهار ويقل إنتاج الصائم وتتأجل أمور العمل إلى بعد انقضائه، كلها ظواهر سلبية تؤثر على جوهر الصيام، والغرض الذي من أجله دعانا المولى عز وجل إلى اتباعه، ناهيك عن الإسراف في الموائد الرمضانية، وعربات التسوق المليئة بما لا يحتاجه الصائم، ولا يحتاج إلى نصفه من المشتريات التي تضيق بأثمانها العوائل الفقيرة، ويتم رمي معظم ما تم إعداده آخذًا طريقه الواسع إلى سلة المهملات، في الوقت الذي يتضوَّر فيه الناس جوعًا في مناطق أخرى من العالم بسبب الجفاف والحروب.

ولنا في رسول الله أسوة حسنة وسيرة غنية عطرة يجدر بنا أن نلتفت إليها ونتعلم منها، والله يهدي بنوره من يشاء.