ماذا يحدث في السودان؟!

 

جمال بن ماجد الكندي

ماذا يحدث في السودان؟ سؤال كبير ومُهم، سنحاول الإجابة عليه ونحلل واقع ما يحدث في هذا البلد الغني بموارده البشرية والطبيعية من خلال النزاع المسلح الدائر حاليًا بين الجيش السوداني (القوات المسلحة السودانية) وقوات الدعم السريع (وهي فصيل عسكري).

من البديهي في أي بلد في العالم حينما نذكر الجيش نعني به جيش الوطن، ونصفه بصفات عدة منها حامي الحمى، ودرع الوطن، وغيرها من الكلمات التي نذكرها عندما يقترن المقام بذكر كلمة جيش وطني لأي دولة. لكني هنا سأذكر ما هي قوات الدعم السريع، طرف النزاع العسكري مع الجيش السوداني، وهي قوات تأسست عام 2013 على يد الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، وكان الهدف من تأسيسها تعزيز الجيش السوداني وتمكينه من القدرة على مواجهة التحديات الأمنية في السودان، وخاصة في مناطق النزاع في دارفور، وكانت تُعرف من قبل باسم "قوات الجنجويد"، وساعدت هذه القوات في زمن الرئيس البشير في مُكافحة التمرد في دارفور، لكنها كانت مثار جدل في السودان وخارج السودان، واتُهمت بارتكاب "جرائم حرب" في دارفور. طبعًا هذا الاتهام عندما كان البشير في سدة الحكم، وعندما تغيَّر الحال في السودان أصبحت هذه القوة مرضيّ عنها، ولها علاقات خارجية في شخص قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، فقد أدى دورًا بارزًا في الحملة العسكرية التي شنتها الحكومة السودانية ضد المتمردين في دارفور، وتُشير تقارير إلى أنَّ قواته شاركت في حرب اليمن؛ مما منح حميدتي علاقات طيبة مع دول خليجية وإقليمية، فقواته كانت من الأذرع العسكرية البارزة في حرب اليمن ضد قوات أنصار الله الحوثية.

وبعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل 2019، شهد السودان اضطرابات سياسية وأمنية، ثم جرى تشكيل مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية، وفي هذه الفترة شاركت قوات الدعم السريع في هذا المجلس، ويُقال إنها أسهمت بدور في المساعدة بالإطاحة بحكم البشير، وتولى  قائدها منصب نائب رئيس المجلس العسكري، حسب الاتفاق مع القوى المدنية المعروفة باسم "قوى الحرية والتغيير" التي كانت الداعم القوي للشارع السوداني في الإطاحة بحكم البشير، أعقب ذلك تشكيل جناحين للحكم في السودان خلال الفترة الانتقالية؛ الجناح العسكري المتمثل في الجيش السوداني بقيادة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قوات الدعم السريع بقيادة قائدها  حميدتي. والجناح المدني الذي يضم قوى الحرية والتغيير. طبعًا كانت هناك خلافات بين الجناحين تظهر على السطح لكن تجري معالجتها. لكن الأحداث أظهرت بروز تأثير قوة الجناح العسكري في السيطرة على القرارات، نظرًا لتاريخ السودان في الحكم العسكري.

وكان من المفترض أن يتم الإعلان بتاريخ 11 أبريل 2023 عن اسم رئيس وزراء جديد ومناصب سياسية أخرى، لكن هذا الإعلان فشل، بسبب الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، فكلٌ من جناحي المجلس العسكري (الجيش والدعم السريع) له تصوره الخاص حول طريقة دمج هذه القوات، كما إن تعنُّت القائدين كان أحد أسباب نشوب الأزمة بينهما، والجانب المدني بديهيًا كان يؤيد عملية الدمج لإدراكه لمشاكل وجود جيشين في دولة واحدة؛ لذلك تطورت الأحداث وبدأت المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع يوم السبت الماضي بتاريخ 15 أبريل. وقد علق الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب لقناة "بي بي سي العربية" قائلًا إن هناك 3 سيناريوهات محتملة لهذا الصراع؛ وهي:

السيناريو الأول: انتصار الجيش السوداني والقضاء على قوات الدعم السريع، لتنتشر قوات الجيش في كافة المناطق والأحياء وعودة الأمن القومي السوداني والحياة لطبيعتها ولكن بشكل جديد.

السيناريو الثاني: وقف لإطلاق النار بعد تدخل الوساطات من الدول الشقيقة والصديقة، وبالتالي تبدأ عملية التفاوض حول النقاط الأساسية، إضافة إلى المحاكمات العسكرية، انتهاءً بدمج قوات الدعم السريع المتبقية مع قوات الجيش السوداني.

السيناريو الثالث: وقف إطلاق النار وعودة الجميع للتسوية، ومن الممكن عدم وجود قوات الدعم السريع كطرف رئيسي في العملية التفاوضية، إضافة إلى دخول طرف آخر من القوى السياسية الأخرى مع تعديل المشروع السياسي، وذلك للذهاب لفترة انتقالية جديدة بشكل ديموقراطي وصولًا للانتخابات السودانية.

ومن الأمور المثيرة للأسى، ما سمعته من أحد الإخوة السودانيين عندما التقيت به؛ إذ يقول إن الصراع بين الأحزاب السياسية في أي بلد ديموقراطي يكون محتدمًا في البرلمان، وأن أقصى حد لهذا الصراع الضرب بالكراسي! لكن عندما يكون من يحكم البلد جيشان؛ فالصراع يكون بالسلاح، وتدمر البلد وتزهق الأرواح.

هذا الأمر يدعونا للتأمل في مشكلة السودان؛ فالجناح المدني لا يملك سوى قوة الشارع السوداني، غير أن هذا الشارع لا يستطيع الخروج في تظاهرات سلمية في ظل التوتر الأمني، خاصةً عندما يكون الصراع بين كتلتين عسكريتين في بلد واحد.

ما يُعَقِّد المشهد العسكري السوداني اليوم أننا أمام قوتين عسكريتين لهما علاقات عربية وخليجية وإقليمية وازنة في المنطقة، والتدخل الخارجي لدعم كلا الفريقين وارد، وهنا نفتح باب التدخلات الخارجية الذي يبدو أنه الذي أطلق شرارة هذا الصراع، ونتساءل: هل هناك قوة معينة وراء هذا النزاع ولا تريد أن يحكم المدنيون السودان وأن يظل الأمر في يد جنرالات الحرب فيها؟ وهو سؤال مطروح والإجابة عليه عند السودانيين أنفسهم، فهم من يقررون ذلك.

ربما جاء هذا الصراع المسلح لكي يقول السودانيون كلمتهم "لا لحكم العسكر"، والمثال الذي ذكرته بصراع الكراسي أهون ألف مرة من صراع المدافع.

ما يحصل اليوم في السودان مدعاة عاجلة للمطالبة بالحكم المدني، فربما كانت هذه صورة توضح ماذا يحصل عندما يتدخل العسكريون في حكم الدول، والمشكلة أنهم غير متفقين على الاستراتيجية العامة، وهذا سبب الصراع بينهم.

إن جهود التهدئة قائمة من قبل الخارج، مع وجود اتهامات من قبل كل فريق عسكري للآخر بتلقي الدعم السياسي والعسكري لفرض أجندة مُعينة على السودان. ومهما كانت هذه الأجندة ومن وراءها؛ فالشعب السوداني في النهاية سيقول كلمته، وهي تأتي من رحم معاناته من الحكم العسكري؛ لذلك قام بالثورة على الرئيس السابق، وهذه الأزمة الحالية ستُحل قريبًا لتأثيرها على الأمن والسلم في المنطقة، وبعدها لا بُد أن يعي السودانيون ومن في الخارج ضرورة تشكيل حكومة مدنية خالصة لا وجود للعسكريين فيها؛ فدورهم الطبيعي حماية الوطن، يأتمرون بإمرة حكومة مدنية مُنتخبة؛ سواءً عبر شخص رئيس أو رئيس وزراء، وغير ذلك هو فوضى عسكرية وأمنية، لا نتمناها لهذا البلد العربي الكبير والعزيز علينا.