تشو شيوان *
يتداول الكثيرُ أنباءً وأخبارًا عن نهاية الأزمة السورية خصوصًا بعد سلسلة من التحركات السياسية والانفراج في علاقة القيادة السورية بالقيادات العربية، والبداية كانت من سلطنة عُمان مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لمسقط، والتي كانت أول زيارة للرئيس السوري لدولة عربية منذ بداية الأزمة، وفتحت هذه الزيارة الأبواب لعودة العلاقات السورية العربية وأضاءت بصيص أمل في حل الخلفات وإعادة بناء سوريا مرة أخرى.
ومن ثمَّ جاءت زيارة الرئيس السوري لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ مما أكد أن الأزمة في طريقها للانفراج. ومع توالي الأحدث وتطوراتها يبدو أن حل الأزمة السورية سيكون حاضرًا وبشكل كبير في اجتماع الجامعة العربية الشهر المقبل، خصوصًا وأن الأخبار تقول إن هناك دعوة للرئيس السوري لحضور الاجتماع؛ مما يفتح الباب على مصراعيه لعودة العلاقات العربية مع سوريا ولو بشكل ضيق، مما يُحيي آمالًا كبيرة لحل الأزمة وعودة سوريا للحضن العربي، كما يصفها العرب أنفسهم.
بوجهة نظري كصحفي صيني، أجدُ أن لا حل للأزمة السورية إلا بأيدي القيادة السورية والقيادات العربية، فلن يفتح دمشق لا القوى الغربية ولا حتى القوى الإقليمية التي تحاول إثارة البلبلة والصراع داخل الأراضي السورية منذ سنوات، والحل كل الحل يكمن في الجامعة العربية باجتماعها وقرارها باستئناف العلاقات بين الدول العربية كافة بسوريا، فهذا هو الحل ولا حل سواه. وسواءً كان هناك خلاف أو وجهات نظر مغايرة بين القيادات العربية حول الملف السوري، إلّا أن التفاوض والجلوس على طاولة الحوار ومحاولة مساندة سوريا هو الحل الأمثل خصوصًا في هذا التوقيت الحاسم؛ حيث تعاني سوريا من أزمات كبيرة في توفير سبل الحياة الكريمة، ويمكن للدول العربية المساهمة في تخفيف أعباء الشعب السوري، وأيضًا المشاركة في مشاريع إعادة إعمار سوريا من خلال الاستثمارات وفتح المشاريع المشتركة، فما أوجدته الحرب من خراب ودمار وهدم للبنية التحتية، يجب أن ينتهي، والاستمرار في استبعاد سوريا من الجامعة العربية لن يحل الأزمة؛ بل يعقدها أكثر فأكثر.
التحركات السياسية والزيارات التي حدثت خلال الفترة الماضية وبخلاف زيارات الرئيس السوري أيضًا كانت هناك زيارة لوزير الخارجية السوري لمصر، ومع كل هذه التفاهمات أجد أننا على أعتاب مرحلة جديدة يمكن أن تكون هي البداية لحل الأزمة السورية التي طالت وأدت لموت وتشريد الملايين، واستمرار هذه الحال سيصعب الأزمة ويعقدها أكثر، لا سيما ونحن نتحدث عن قوى كثيرة إقليمية وعالمية ما زالت تسرق مقدرات الشعب السوري وتضع يدها على حقول النفط السوري دون حسيب أو رقيب، وكلنا يعلم أن هناك دولا ما زالت تقصف سوريا ليلًا وتسرقها نهارًا، الأمر لم يعد يخفى على أحد؛ بل على العكس الأمر بات مفضوحًا أمام الجميع.
الأراضي السورية أراضٍ عربية، والشعب السوري جزء من الشعب العربي، والجامعة العربية يجب أن تتخذ القرار بأن تعيد فتح باب المناقشة والحوار مع النظام السوري ومع القيادات السورية لما فيه من مصلحة الشعب السوري وإعطاء الثقة للحكومة السوري وتمكينها من حماية أراضيها ومقدرات بلادها.
ربما يتساءل البعض وما علاقة صينيّ بما يحدث في منطقتنا العربية؛ ورغم أن الإجابة بسيطة إلا أنها معقدة في نفس الوقت، فبساطتها تكمن أن الصين شريك حقيقي لدول المنطقة وتسعى جاهدة لحل خلافاتها والخروج من أزماتها. أما تعقيدها فنحن في الصين نؤمن بالحوار والمشاركة ونؤمن أيضًا بأن أبناء الشعب وأبناء المنطقة هم من عليهم اختيار النموذج والأسلوب الذي يحلون به خلافاتهم، بعيدًا عن تدخلات الدول القوية التي لن تراعي إلا مصالحها في مثل هذه المفاوضات والمناقشات، والتاريخ كفيل بأن يعلمنا الدرس.
الصين مكانها ووجهة نظرها ثابتة تجاه الأزمة السورية؛ فالصين ترى أن الحوار هو الطريق الأسلم للمحافظة على ما تبقى من سوريا والمضي قدمًا لإعادة إعمارها وعودة الحياة فيها لما كانت عليه قبل الحرب وإلى الأفضل أيضًا، ولمَ لا؟ طالما أنَّ الأمر ممكن وتحقيقه ممكن، وبوجهة نظري أيضًا أن الصين يمكنها أن تؤدي دورًا مهمًّا في مسألة إعادة إعمار سوريا من خلال شركاتها واستثماراتها والقادرة على بناء البنية التحتية في سوريا بصورة احترافية وبسرعة عالية ويمكن لسوريا أن تستفيد من الخبرات الصينية في هذا الجانب، والأيام المقبلة ستثبت أن حل الأزمة السورية يكمُن بالعلاقات الجيدة مع الدول العربية وبدخول شركاء عالميين هدفهم البناء وليس الدمار.
* صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية