حرية بلا حدود؟!

مدرين المكتومية

كُلنا يبحث عن الحرية في تفاصيل حياته، ولا يتوقف الأمر عند عملية البحث وحسب؛ بل وبلوغها والاستمتاع بها، فهل لنا حرية مُطقلة في أن نقول كل ما نريد دون أي اعتبار...؟

مهما كنا نمتلك مساحةً من الحرية علينا أن نسعى دائمًا لنقف فيها عند حدود الآخر، وليس بالضرورة أن نحصل على كل ما نريد من وراء هذه الكلمة التي أصبحت أداة نستخدمها في كل تصرفاتنا، دون وضع أي اعتبار!

الحرية الهادفة هي الحرية المسؤولة التي تعرف حدودها وتقدر أثرها بعيدًا عن ثقافة "لايك" وجمع المتابعين، ولا تتكئ على أهداف بعينها لأن الحرية الحقيقية هي تلك التي نسعى من خلالها لإصلاح المجتمع وإصلاح ذواتنا، لا لأن نكون سببًا في المشكلات. الحرية لا تعني أنني كل ما أعرفه يحق لي قوله، وكل ما وقع بين يدي يمكن إفشاؤه، وإنما السرية التامة لكل ما لا يخص المرء، والأمانة في كل ما أتيح له دون قصد، فليس كل ما يُعرف يُقال ويُنشر، خاصةً وأن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت متجذر في الأرض وفرعها تناطح في السماء في علوها وسموها، والتحلي بأبسط مفاهيم الحرية أن نملك الكلمة المسؤولة، لأنها جزءٌ من أصلنا الطيب.

علينا تجاوز عقلية التشفّي من الآخرين الذين يختلفون معنا في وجهات النظر، وأن نقبل الاختلاف في وجهات النظر كحق طبيعي لنا ولغيرنا، ففي الاختلاف رحمة في أحيان كثيرة، والاختلاف أهم بكثير من التوافق، لأن التوافقات المتشابهات وإن كانت جميلة وتعني التصالح، إلّا أنها قد تكون منفرة في بعض الأحيان! علينا قبول الآخر كيفما كان وكيفما سيكون، علينا أن لا نعيش على فرضيات قد لا تكون حقيقية، وإنما محض خيال ووَهْمٍ، ولا نقيس الأشياء بما نشعر به، وإنما نُعطي لكل ذي حق حقه؛ فالحرية قبل أن تكون مساحة لتنفيذ ما نريد، فهي مساحة لردع أنفسنا عن الإساءات، والبداية تكون من تجنب البحث عن أخطاء الآخرين وسلبياتهم.

لا ينبغي أن نُشخصن النقد بالتعدي على حياة الناس الخاصة، والتعدي على حياتهم الشخصية، وإنما يتعين علينا أن نوجّه النقد للأداء وبكل مصداقية؛ فالحياة الخاصة لها حدودها، ولا يمكن أن يقبل أي شخص أن تُنتهك حياته تحت زعم ممارسة الحرية، ومهما كانت تلك الحياة التي يعيشها الشخص غير مناسبة، لا يحق لنا أن نمارس دور الجلّاد أو الرقيب على حياة أي إنسان.

وأخيرًا.. إنَّ الحق الذي نعتقد أنه حقنا، قد يأتي يوم ولن يكون ضمن مساحاتنا ولا ضمن حدودنا أو حقوقنا، وبالتالي نحن من نتسبب في بناء حياة مليئة بالمشكلات والمنغصات لذلك الآخر الذي أقحمنا أنفسنا في حياته، دون إدراك لحقيقة أن كل فرد مسؤول عن نفسه، ويظل الاحترام الأمر الوحيد الفاصل في المعاملات، بدءًا من احترام الخصوصيات، وانتهاءً باحترام مفهوم "الحرية".