حل الأزمة اليمنية من البوابة العُمانية

 

جمال بن ماجد الكندي

كما كان متوقعًا لدى كثير من المتابعين والمحللين السياسيين أن تكون محطة اليمن، هي أولى المحطات في الانفراجات السياسية والعسكرية على خلفية الاتفاق السعودي الإيراني لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، والتي كانت برعاية صينية، وجهد مشكور لسلطنة عُمان ودولة العراق.

وقد نقلت وكالة رويترز الإخبارية عن مصدرين أن وفدًا سعوديًا عمانيًا يعتزم السفر إلى العاصمة اليمنية صنعاء، للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم مع جماعة "أنصار الله" وإنهاء الصراع المستمرّ منذ ثماني سنوات في اليمن. وقال المصدران إنه إذا تم التوصل إلى اتفاق، فقد تعلن الأطراف المتحاربة في اليمن عن هذا الاتفاق قبل عيد الفطر، وأن المناقشات ستركز على إعادة فتح الموانئ والمطارات اليمنية بالكامل، ودفع أجور الموظفين، وعملية إعادة البناء والانتقال السياسي.

هذا التطور السياسي والعسكري في اليمن، له مُعطيات أدت إلى بروز هذا الأمر في هذا التوقيت بالذات، ومعلوم أن التوقيت السياسي له دور في تهيئة الأمور سلمًا أو حربًا، والمعطى السياسي الجديد هو التقارب السعودي الإيراني، والاتفاق على عودة العلاقات السياسية بين البلدين، فقد كانت القطيعة بينهما مؤثرةً سياسيًا وعسكريًا على ملفات المنطقة الشائكة في سوريا، ولبنان، واليمن وغيرها من الملفات التي يكون طرفاها الإيراني وحلفاءه من جهة والسعودي والدول الأخرى من جهة أخرى.

بروز سلطنة عمان في الواجهة السياسية لحلحلة خيوط أزمة اليمن، أمر طبيعي، وكتبنا فيه مقالات سابقة، لأنَّ سلطنة عُمان كانت لها كلمتها المختلفة في حرب اليمن، وقالتها منذ البداية "لا ولن نكون وقودًا لهذه الحرب"، وأنها ستعمل مع الفرقاء لإيجاد الأرضية المشتركة بينهما لحل هذه الأزمة، وقد نجحت عمان في ذلك بإيجاد أكثر من هدنة بين المتحاربين في اليمن منذ بداية هذه الحرب.

الأمر اليوم مختلف تمامًا، والاختلاف يكمن في عاملين أساسيين؛ وهما: الأول اليقين بعد 8 سنوات من بدء هذه الحرب أن التحالف السعودي لا يستطيع تحقيق نصر استراتيجي تظهر بوادره على الأرض اليمنية بعودة اليمن للمحور المحسوب عليه قبل الحرب. وعندما نقول نصر استراتيجي نعني بذلك الانتصار الاستراتيجي لدى الطرفين، فحكومة صنعاء بقيادة "أنصار الله" أظهرت أنها قوة لا يُستهان بها، والتقارير التي سبقت الحرب في أنها ستكون حرب خاطفة ستحصد النتائج المرجوة منها في غضون أيام أو شهور قليلة، أظهرت فشلها الذريع، والحرب اليوم أثرت على المنطقة، وطال أمدها، والكثير يعتقد أن الدور الإيراني كان عنصر قوة "لأنصار الله" سياسيًا وعسكريًا رغم النفي الإيراني لذلك. هذا اليقين هو من الجانبين السعودي واليمني؛ فالسعودية تملك مفاتيح كسر الحصار المفروض على حكومة صنعاء، وهي الأداة التي تساوم عليها أنصار الله، وأنصار الله يملكون القوة الصاروخية والمسيّرات التي أظهرت أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه في هذه الحرب، خاصة وأنها استهدفت أكثر من مرة شركة "أرامكو" السعودية، والتي تعد خطًا أحمر سعوديًا وغربيًا، فهي من كبريات شركات النفط العالمية، وأثرت هذه العمليات المتكررة عليها في أسعار النفط وفي أمن طرق نقل الطاقة العالمية، فكان سلاح الصواريخ والمسيرات الحوثية أحد مفاتيح الضغط والحل في آن واحد تستخدمها حكومة صنعاء في حربها.

لذلك لا يوجد نصر استراتيجي لدى الطرفين تم تحقيقه على مدار الثماني سنوات من عمر هذه الحرب لا في الداخل اليمني ولا في الخارج، وتولدت لدى من يحارب أنصار الله بأنهم أصبحوا جزءًا مهمًا وفاعلًا لا بُد من سماع مطالبه لإنهاء الحرب، وهو سيكون ركنًا أساسيًا في اليمن الجديد ما بعد الحرب.

ويقابله في الجانب الآخر يقين لدى "أنصار الله" بأن هذه الحرب أثرت عليهم اقتصاديًا وسياسيًا، فحكومة صنعاء تعاني من حصار بري وجوي وبحري خانق، ومفاتيح فك هذا الحصار بيد الجانب السعودي، ولا يتم ذلك إلا بالتوافق بين الطرفين لتهدئة مخاوف كليهما، وهنا يأتي دور الوسيط العماني.

العامل الثاني المختلف والذي يبشر بإيجاد حل دائم لإنهاء هذه الحرب، يكمن في التوافق السعودي الإيراني في عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما برعاية صينية، والذي أثمر توقيع وثيقة سياسية بعودة هذه العلاقات بين البلدين في الصين خلال فترة شهرين من التوقيع، وهذا الأمر سيؤثر إيجابًا في تسريع حل دائم لحرب اليمن، فالقطيعة السعودية الإيرانية كانت تزيد من نار الحرب في اليمن.

هناك دول وأولها إسرائيل كانت تستثمر في بيئة العداء بين إيران والسعودية لتأجيج ملفات المنطقة السياسية والعسكرية التي طرفها إيران حسب الوصف الإسرائيلي والأمريكي، والملف اليمني كان الملف العسكري الذي وجدت إسرائيل فيه ضالتها لضرب عدوها الأول في المنطقة- إيران- باستثمار هذا التوتر القائم بين السعودية وإيران لبناء حلف تشارك فيه مع بعض الدول العربية والخليجية تحت عنوان مجابهة التمدد الإيراني في المنطقة وضرب حلفائها وأبرزهم حزب الله اللبناني وأنصار الله في اليمن.

التقارب الإيراني السعودي الأخير أفشل مخطط إسرائيل في إيجاد توافق عربي خليجي مفاده أن إيران هي العدو المشترك بينها وبين هذه الدول، فإسرائيل وأمريكا أكبر الخاسرين في عودة العلاقات السعودية الإيرانية لسابق عهدها، والرعاية الصينية جاءت من البوابة الاقتصادية المهمة لدى الدولتين في المنطقة ولدى الصين كذلك، لذلك كان لا بُد من هذا التقارب السعودي الإيراني أن يرى النور، والذي فاجأ العالم وأمريكا بالذات لأنه كان برعاية صينية.

هذا الأمر يُبيِّن لنا أهمية المنطقة بالنسبة للصين، وأن استقرارها استقرار لسوق الطاقة؛ فالصين أكبر مُصدّر للمنطقة، لذلك نرى أيضًا أن هذا الاتفاق ستكون له مخرجات إيجابية في سوريا ولبنان واليمن، وسنرى ذلك في الزيارة المرتقبة للوفد العماني والسعودي إلى صنعاء لوضع النقاط  الأخيرة على حروف إنهاء هذه الأزمة، التي كما ذكرنا سابقًا لا رابح فيها، وكان الخاسر الأكبر هو الشعب اليمني.