عُمان تسعى حثيثًا لاستقطاب "استثمارات الرقائق" مع توافر البيئة الجاذبة والتسهيلات

"أشباه الموصلات".. صناعات ثورية تدعم النمو الاقتصادي وتفتح آفاقًا للابتكار التكنولوجي

...
...
...
...
...

◄ تايوان تسيطر على 92% من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات

◄ أي خلل في هذه الصناعة بؤدي لخسارة 490 مليار دولار سنويا

◄ 661 مليار دولار عائدات أشباه الموصلات في 2022

◄ "TSMC" تعد عملاق صناعة الرقائق في تايوان

الرؤية- سارة العبرية

تعد صناعة الرقائق وأشباه الموصلات من أهم الصناعات في العصر الحديث في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم في الوقت الحالي، ولذلك تسعى العديد من الدول والشركات إلى دخول هذا المجال أو السيطرة عليه.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين لاعبان أساسيين في هذه الصناعة المهمة، إلا أن تايوان قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، كما أن سلطنة عمان تسعى بشكل حثيث لاستقطاب الاستثمارات في مجال الرقائق وأشباه الموصلات، في ظل توفر البيئة الجاذبة لهذا النوع من الاستثمارات وتوفير تسهيلات كثيرة للمستثمرين.

ولأهمية هذه الصناعة، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن وصفها بـ"الأمن القومي"، وذلك أثناء افتتاح موقع مصنع لأشباه الموصلات في ولاية أوهايو الأمريكية، كما أنه وقّع على قانون "CHIPS and Science" لمنح مساعدات بقيمة 52 مليار دولار من أجل تطوير قطاع إنتاج أشباه الموصلات، مشيرا إلى أنّ ذلك يأتي "في إطار التنافس الكبير بين الصين والولايات المتحدة".

أهمية أشباه الموصلات

في الوقت الحالي أصبح كل شيء مبني على الرقائق الإلكترونية، سواء الهواتف الذكية أو الحاسوب أو الطائرات وحتى الصواريخ والسيارات.

وحتى وقت قريب، كانت أمريكا تصمم وتصنع أسرع الرقائق، وحافظت على ريادتها باعتبارها القوة العظمى، لكنها تراجعت بعد منافسة الصين لها وكذلك تايوان وكوريا وأوروبا.

وحاليا، تسيطر تايوان على نحو 92% من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصلات بدقة أقل من 10 نانومترات، مما يجعلها المزود الرئيسي للغالبية العظمى من الرقائق التي تشغل أكثر الأجهزة تقدما في العالم، بدءا من هواتف آيف وحتى الطائرات المقاتلة إف- 35 وتعتبر شركة "تي إس إم سي" الأولى في العالم بهذا المجال.

وتوجد الرقائق التي تصنعها شركة "تي إس إم سي" في كل شيء تقريبا مثل الهواتف الذكية ومنصات الحوسبة عالية الأداء والحواسيب المكتبية واللوحية، والخوادم ومنصات الألعاب والأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، والإلكترونيات الاستهلاكية الرقمية والسيارات وتقريبا كل أنظمة الأسلحة التي بنيت في القرن الـ21، كما أن حوالي 60 %من الرقائق التي تصنعها شركة "تي إس إم سي" هي لشركات أمريكية، ولذلك تعتبر تايوان وجهة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، وتعد مسابك تصنيع الرقائق التايوانية هي الأفضل في العالم.

بنص الصفحة 1.jpg
 

كيفية صناعتها

تُصنع هذه الرقائق عادةً من شرائح رقيقة من السيليكون مع مكونات معقدة موضوعة عليها في أنماط محددة، وتتحكم هذه الأنماط في تدفق التيار باستخدام مفاتيح كهربائية تسمى "transistors" ومفاتيح أشباه الموصلات كهربائية بالكامل، أي لا توجد مكونات ميكانيكية داخلها.

وتنتج تايوان معظم رقائق السيليكون عالية التقنية في العالم، وهي شرائح بحجم ظفر الإصبع، وتحتوي على بلايين من الترانزستورات المجهرية. ويتم تصنيع أفضل الرقائق في شركة Taiwan Semiconductor Manufacturing Company، بحسب صحيفة نيويروك تايمز.

وتستحوذ "TSMC" على 54% من الحصة السوقية العالمية لأشباه الموصلات، ولكن عندما يتعلق الأمر بمعظم الرقائق المتقدمة، فإن TSMC مسؤولة عن 92% من الإنتاج بينما سامسونج كوريا الجنوبية مسؤولة عن الـ8% الباقية، وفقا لبيانات Capital Economics.

إلى جانب شركة Samsung الكورية، تعد TSMC واحدة من شركتين فقط تنتجان شرائح 5 نانومتر الدقيقة الأكثر دقة وتطورا، وتقوم TSMC  ببناء مصنع لتصنيع شرائح 3 نانومتر التي ستكون أسرع بنسبة تصل إلى 70% وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة وسيتم استخدامها في الأجهزة المختلفة من الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر العملاقة.

وتوجد شركات مثل Apple  و Microsoft و Asus و Yamaha و Panasonic  وتقريبا كل شركات التقنية في العالم على قائمة عملاء TSMC، حسبما ورد في تقرير لموقع History Computer، ولا يمتلك العملاء الرئيسيون لشركة TSMC، مثل شركات الصين والولايات المتحدة، القدرة على إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة التي يحتاجون إليها، ونتيجة لذلك أصبحت تايوان حلقة وصل لا غنى عنها في الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات، وبالتالي أصبح استمرار تايوان ككيان مستقل عن الصين مصلحة جيوسياسية حيوية للولايات المتحدة.

ويعتمد ما يصل إلى 90% من أشباه الموصلات التي تستخدمها الشركات التكنولوجية الأمريكية بما في ذلك Apple و Nvidia و Qualcomm  على التصنيع التايواني، ووفقا لتقديرات جمعية صناعة أشباه الموصلات الأمريكية، فإن حدوث خلل كامل في سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية من شأنه أن يتسبب في خسارة سنوية قدرها 490 مليار دولار أمريكي في الإيرادات لمنتجي الأجهزة الإلكترونية العالميين في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 2020، تضررت صناعة أشباه الموصلات في تايوان جراء جائحة كورونا، وأدى النقص العالمي في الرقائق إلى أزمة كبيرة في سلاسل التوريد أظهرت أهمية دور تايوان وشركة TSMC، وقرعت أجراس إنذار لدى الصين والولايات المتحدة على السواء بشأن خطورة هذا الاعتماد الكبير على تايوان في هذا القطاع الحساس؛ حيث إن تركيز إنتاج الرقائق في تايوان يمكن أن يتعطل بسبب الزلازل والجفاف وأي تهديد عسكري محتمل عبر مضيق تايوان، مما يشكل خطرا على الاقتصاد العالمي.

وقال مارك ويليامز خبير اقتصادي في آسيا بشركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس: "إن مشاكل صناعة السيارات أظهرت كيف أصبحت أشباه الموصلات مُدخلا أساسيا في المنتجات حتى غير الإلكترونية، وكذلك مدى اعتماد العالم على تايوان لإنتاجها"، حسبما نقلت عنه the Guardian  البريطانية.

بنص الصفحة (2).jpg
 

الصراع العالمي

وبحسب موقع "sciencedirect"، فإنّ "صناعة أشباه الموصلات تُعدّ واحدة من أكثر الصناعات عولمة في العالم، وأيضا واحدة ذات أهمية استراتيجية كبيرة؛ حيث يرتبط جزء كبير من الملكية الفكرية الأساسية بتصميم أشباه الموصلات في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتايوان وبعض المواقع الأوروبية، في حين أنّ الكثير من إنتاج وتجميع واختبار المنتجات يتم في آسيا وخاصةً الصين، أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم.

وتوقع موقع IDC أن تكون عائدات قطاع أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم قد وصلت إلى661  مليار دولار في عام 2022، بمعدل نمو سنوي قدره 13.7%، بعد النتائج القوية لعام 2021؛ حيث وصلت الإيرادات إلى 582 مليار دولار.

ورغم أنّ أشباه الموصلات اخترعت في الولايات المتحدة، فإنّ البلاد تنتج نحو 10% فقط من الإمدادات العالمية- وفقاً للبيت الأبيض- مع استيراد نحو 75% من الإمدادات الأمريكية من شرق آسيا، الأمر الذي أقرّ به بايدن أيضاً، قائلا إنّ "الولايات المتحدة لا تنتج حاليا أيا من أشباه الموصلات المتطورة والمتقدمة لأنظمة أسلحة المستقبل".

وفي المقابل، عملت الصين منذ سنوات قليلة سابقة على تحسين قطاع إنتاج الموصلات، وشهدت تطورا ملحوظا في هذا المجال، إذ جاءت نقطة التحول في اهتمام بكين بأشباه الموصلات في عام 2014، عندما حدد مجلس الدولة هدفا يتمثل في أن تصبح رائدا عالميا في المجال بحلول عام 2030، وفي عام 2015، تم إطلاق مشروع صنع في الصين 2025، بهدف تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، بحسب موقع  East Asia Forum

ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فإنّ "الصين تمضي قدماً في خططها لبناء 31 مصنعا جديدا للرقائق الإلكترونية بحلول عام 2024"، وهذا التطوّر الذي شهدته الصين في تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس، أدّى إلى احتدام الصراع بينها وبين الولايات المتحدة في هذا المجال.

وتحاول واشنطن تخفيف عملياتها في آسيا ونقلها إلى داخل الولايات المتحدة، ومن جهتها تحاول الصين شراء شركات أمريكية، وتطوير إنتاجها الداخلي وتطمح خلال سنوات أن تتحكم في دورة الإنتاج كاملة.

وينطوي الصراع بين بكين وواشنطن أيضا، على رؤيتين مختلفتين كلياً للإنترنت ولطريقة إدارة الشبكة العالمية، فالتقدم الذي أحرزته الصين في هذا المجال والذي سيعتمد في البنى التحتية الموجودة حاليا لدى دول العالم، بما فيها المستشفيات والمواصلات ومحطات إنتاج الطاقة، جعل الغرب- الولايات المتحدة تحديدا- يقف سدا منيعا أمامها خوفا من الحضور الصيني داخل دولهم.

سيطرة تايوان على السوق

بدأت صناعة أشباه الموصلات التايوانية في عام 1974، وفي عام 1976 أقنعت الحكومة شركة RCA الأمريكية الرائدة بنقل تكنولوجيا أشباه الموصلات إلى تايوان.

في عام 1985، تم تعيين موريس تشانغ المهندس التايواني الذي كان يعيش بالولايات المتحدة لتطوير صناعة أشباه الموصلات من قبل الحكومة التايوانية، وفي عام 1986 دشن موريس تشانغ مبنى للتصنيع أصبح فيما بعد أول مصنع لتصنيع أشباه الموصلات التابع لشركة TSMC، وبحلول عام 1987، أصبح مركز تصنيع الرقائق في  Hsinchuبتايوان أول موقع رسمي لشركة TSMC.

وفي غضون عام واحد فقط، لفت مصنع التصنيع انتباه المستثمرين متعددي الجنسيات، وشكلت حكومة تايوان شركة Taiwan Semiconductor Manufacturing Company  كمشروع مشترك مع شركة Philips الهولندية ومستثمرين آخرين من القطاع الخاص.

وفي عام 1987، كانت TSMC رائدة في نموذج المسبك الخالي من الفابليس مما أعاد تشكيل صناعة أشباه الموصلات العالمية. وبحلول عام 1992، تم تصنيف TSMC كأفضل مسبك للسيليكون في العالم، ووظفت الشركة 250 مهندس عمليات وقادت الطريق في تكنولوجيا العمليات المتطورة، وفي عام 2007 تفوقت صناعة أشباه الموصلات التايوانية على الولايات المتحدة وأصبحت في المرتبة الثانية بعد اليابان.

وخلال السنوات الأولى من تصنيع الرقائق الدقيقة، قامت TSMC بتزويد جميع منافسي مكونات الكمبيوتر في السوق من AMD و NVIDIA إلى IBM و Intel.

وقام تشانغ بتوجيه الشركة لبيع الرقائق الأولى بمعدل أعلى لزيادة الثقة في جودة منتجاتها وتحقيق أرباح مبكرة لنمو الشركة بشكل أسرع، وأثبت هذا التكتيك أنه حكيم؛ لأن الأرباح المتزايدة سمحت لشركة TSMC بتعزيز عملية تصنيع الرقائق؛ لدرجة أن أي شركة جديدة ستحتاج إلى ميزانية قدرها 100 مليار دولار لمحاولة منافستها.

وفي الفترة بين عامي 2020-2021 باتت TSMC عملاقا في صناعة التكنولوجيا، حيث احتلت مكانة قوية في البورصة وأغلبية الحصة السوقية لأشباه الموصلات.

ومع معدل الإنتاج الإضافي للشركات التابعة لها ومعايير الجودة في عمليات الشركة، فإن TSMC أصبحت قوة يكاد يكون من المستحيل مواجهتها، لم يتضح هذا في أي وقت آخر أكثر مما ظهر خلال جائحة عام 2020.

مواجهة أمريكية صينية

وفي سياق مواجهة التقدّم الصيني في مجال الرقائق الإلكترونية، فرضت الولايات المتحدة، شرط ترخيص جديد لأي تصدير مستقبلي لأشباه الموصلات إلى الصين- بما في ذلك هونغ كونغ وروسيا- من أجل "معالجة خطر استخدام هذه المنتجات في الاستخدام النهائي العسكري أو تحويلها لهكذا استخدام".

كذلك، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، أنّ شركات التكنولوجيا الأمريكية التي تتلقى تمويلا حكوميا ستُمنع من بناء "منشآت تكنولوجية متقدمة" في الصين لمدّة عقدٍ من الزمن، بعد أنّ حددت خططا لتعزيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات.

من جهةٍ أخرى، تحاول الولايات المتحدة وتايوان، تطوير التعاون بينهما في هذا المجال، وبالتالي تشديد الخناق على الصين التي تعتبر تايوان جزءا من أراضيها، لا سيما وأن رئيسة تايوان تساي إنغ وين، صرّحت في وقتٍ سابق، بأنّها "تتطلع إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات وغيرها من الصناعات عالية التقنية".

تعليق عبر الفيس بوك