من للأقصى؟!

 

سالم بن نجيم البادي

يكادُ القلب ينفطر وتدمع العين ويغشى النفس ذلك الشعور المؤلم الناتج عن العجز وقلة الحيلة والقهر، حين تقف موقف المتفرج وأنت لا تستطيع نصرة الأقصى والأحتلال الإسرائيلي يمارس كل أنواع القمع والتنكيل والقتل والتهجير والعنصرية والإرهاب الذي ترعاه حكومة اليمين المتطرفة.

أحد أعضاء هذه الحكومة يريد محو قرية فلسطينية من على وجه الأرض وينكر وجود الشعب الفلسطيني، ووسط الخذلان العربي والدولي وصمت من يدعون الدفاع عن الديمقراطية والإنسانية وغياب دور الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وموت الضمير العالمي تجاه قضية فلسطين، فلا عجب في أن نرى إسرائيل فوق القانون الدولي ولا تعنيها قرارات الأمم المتحدة وهي تفعل ما تشاء وتعربد دون الخوف من العقاب وتستخدم القوة المفرطة والغاشمة ضد أولئك الذين يرابطون في المسجد الأقصى دفاعًا عنه، بل وتُمعن في اضطهاد أهل بيت المقدس وتضع العراقيل من أجل منعهم من الدخول إلى المسجد الأقصى للصلاة والاعتكاف فيه.

هنا نتساءل: أين الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي أنها راعية للديموقراطية في العالم والحريصة على صون حقوق الإنسان؟ وأين دور الاتحاد الأوروبي؟ وأين دور روسيا الذي يتغزل بها بعض العرب الآن نكاية في أمريكا؟ وأين بريطانيا صاحبة وعد بلفور؟ لقد غابوا جميعًا عن المشهد الفلسطيني المشتعل وساد النفاق السياسي والكيل بمكيالين.

من السذاجة أن نطالب الجامعة العربية بموقف حازم وجاد، وقد عرفنا أن أقصى ما يمكن أن تفعله إطلاق بيانات الشجب والإدانة، وقد تذهب الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن للمطالبة بعقد اجتماع، لكن إن عُقد فإنه يفشل حتى في إصدار قرار يدين إسرائيل؛ لأن الفيتو الأمريكي يكون جاهزًا على الدوام، إذا تعلق الأمر بإدانة إسرائيل، وهي تستمر في ممارسة الإرهاب داخل الأقصى وحوله.

في هذه الأيام قتل شاب مقدسي نبيل بدم بارد؛ لأنه فقط هبّ لنجدة امرأة يعتدي عليها جنود الاحتلال، كما تعرض مسعف فلسطيني للضرب والركل وخُلعت ملابسه حين هرع لإسعاف المصابين من عنف جنود الاحتلال، وامرأة تُضرب وتُسحل وتُهان أمام عدسات المصورين، وذنبها الوحيد أنها جاءت تصلي في المسجد الأقصى، بينما مجموعة من الجنود يهجمون على المعتكفين في المسجد الأقصى وينهالون عليهم ضربًا بالهراوات وأعقاب البنادق، بوحشية بالغة وقسوة مفرطة.

والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين وكأنهم كلاب مسعورة تقودهم الكراهية والأوهام الكاذبة بحقهم في ملكية كل أرض فلسطين، واقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى لإخراج أهله منه بالقوة والعنف. وذلك المشهد الذي عرض على التلفاز وتظهر فيه مجموعة من الناس يصلون بخشوع وسكينة، وإذا بقوة من جنود الاحتلال تهجم عليهم وتدفعهم نحو الخلف بعنف هستيري لا مبرر له، وقد منعتهم من إكمال صلاتهم، وهذا إجرام لا نظير له، وهذه المشاهد الدراماتكية تتكرر يوميًا منذ ما يزيد على 70 عامًا.

الاعتقالات شبه اليومية والتفرقة العنصرية والإعدامات في الشوراع لمجرد الاشتباه وفي حالات كثيرة يترك الشهداء ينزفون حتى الموت ويتم منع وصول سيارات الإسعاف لإنقاذهم، وهذا الاحتلال الذي لم يعرف التاريخ له مثيلًا في قسوته وجبروته ومكره وخبثه وهذه الوحوش الكاسرة من المستوطنين الأشرار الذين قدموا إلى فلسطين من كل أصقاع الأرض يعيثون فسادًا في أرض فلسطين يقتلعون أشجار الزيتون المباركة، ويعتدون على أصحاب الأرض الأصليين ويحرقون البيوت تحت حماية جنود الاحتلال، وقد شن هذا الاحتلال عبر تاريخه الأسود الدامي سلسلة من الحروب المتتالية والتي تخلف مئات الشهداء وتحدث دمارًا هائلًا في كل مرة واقتحامات المدن والقرى الفلسطينة لقتل أهلها أو اعتقالهم واقتيادهم إلى السجون والعذاب اليومي الذي يعانيه أفراد الشعب الفلسطيني على أبواب المنافذ والمعابر وأساليب التفتيش المذلة والمهينة ولا يمكن نسيان حصار غزة الجائر المستمر منذ سنوات طويلة.

وبرغم كل ذلك نجد هذا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني المقاوم، شعب الجبارين كما يصفهم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ولقد بشر الشيخ الشهيد أحمد ياسين بزوال دولة الاحتلال الإسرائيلي قريبا.

وفي حديث جديد وجه الشيخ المقدسي رائد صلاح نداءً الى علماء الأمة يحثهم فيه على غرس الأمل في النفوس بحتمية النصر قي قضية المسجد الأقصى، وأن هؤلاء الذين يقتحمون المسجد الأقصى ويهددون بتقديم القرابين وممارسة طقوس تلمودية داخل المسجد الأقصى هم إلى زوال، وشبه ما يقومون بأنه لعب أطفال، وأن هدفهم تهويد القدس والمسجد الأقصى وهدمه لبناء الهيكل المزعوم، ولن يستطيعوا مع وجود هولاء الأبطال الذين يدافعون عن المسجد الأقصى بالدم والروح كما هو شعارهم.

ومع هذا الظلم والطغيان والعربدة والفاشية من المحتل فإن الأمل معقود على أهل فلسطين في الصمود والمقاومة، وكما يبدو أنهم وحدهم من سوف يحررون المسجد الأقصى وفلسطين كلها ومعهم قلوب كل الشرفاء والأحرار في العالم تمدهم بالدعاء وتراقب ما يفعلون بكل إعجاب وتقدير واحترام، وليس بالضرورة أن تكون المقاومة بالسلاح، وإنما بالتشبث بالأرض ومقاومة التهويد، وسوف يمل المحتل وسيعود الغرباء من حيث أتوا ذات يوم طال الزمن أو قصر، وأن دماء قوافل الشهداء من بداية الاحتلال وحتى اليوم لن تذهب هدرًا وستُثمِر نصرًا مؤزرًا تُقر به العيون.