فليغيِّرنا رمضان

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

 

بعد بلوغنا لأمنية طال انتظارنا لها كثيرًا وبعد تحقُقِها، نجد أن هناك حكمة سماوية في تأخرها كل تلك السنين الماضية، والأمر كله بيد الله وبعد فرحة جعلتنا نسجد لله شكرًا يُخيّل إلينا أنها لم تكتمل.

فهناك قوة خفية تحبس ذلك الأمل الذي عشت على انتظاره سنوات وما زلت تحلم في وظيفة المنى، ولكنك لم تنلها، درست وتعبت ومرت السنوات ودفعت أيضًا لدراستك قسطًا تلو القسط، وقد تكون تراكمت عليك ديون الدراسة حتى لا تكون شخصًا بلا تعليم، حاولت وثابرت وكنت في المقدمة واشتغلت على نفسك كثيرًا، لكنك تقف في نفس المنحنى لم يتغير أي شيء، بقيت تنظر في المرآة التي كادت أن تكسرها الرياح، لكنك لم تفقد الأمل ظنًا منك أنك غالٍ.

وفي رمضان، تتجدد دعوات قلبك وتتكرر، وفي شهر العطاء والخير لعل هناك خيطا رفيعا تتمسك به ولم تفقد أملك حتى الآن، وأنك ترى نفسك مُحققًا لحلمك الذي طال انتظاره وأنك تراه وما زلت تتقدم باتجاهه.

العطاء عندما يأتي من القلب يصب في القلب، فمنبعه صافٍ ومصدره عذب، وإنك عندما تساعد محتاجًا أو تروي عطشانًا أو تفطر صائما فإن عطاءك محسوس وما أجمل أن يكون العطاء محسوسا تابعت عدة مبادرات كان همها الأساسي العطاء ومساعدة الفقراء بعيدا عن المشاهدات وعن القيل والقال مبادرة (متابعين علاش) أراها الأقوى التي تستهدف فواتير الكهرباء والماء للأسر المعسرة وكان التجاوب من قبل المتابعين في طرف دقائق وكانت جديرة بالذكر فله كل الشكر على نقاء السريرة وطيب المعاملة والأخلاق مثل هذه النماذج المؤثرة في السوشيال ميديا لم تهتم بالإعلانات بقدر اهتمامها بالآخرين فشكرا جزيلا لهم.

وكم نحن بحاجة لمثل هذه المبادرات الكريمة التي تساعد الناس وتمسح الدموع وتداوي القلوب؛ فالجميع لا ينكر أن الشعوب إذا تماسكت بدت أقوى وإذا خافت على بعضها البعض شكلت فريقا قويا عظيما متماسكا لن تهزمه الظروف ولا الكروب ولا المحن وبالنهاية نحن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

في مثل هذا الشهر الفضيل، نذكر من كان فينا سلطانًا خالدًا فرحمة الله تغشاه وفي الجنة التي عرضها السموات والأرض سكناه، أبانا الحنون السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ونذكر الإنسانة العظيمة صاحبة القلب الرحيم المرحومة رحيمة المسافر فقد كانت رمزًا للعطاء في زمن قلَّ فيه العطاء وكثر فيه الرياء والشيخ المرحوم سعود بهوان والشيخ المرحوم سعود الخليلي طيب الله ثراهم، وآخرين من الذين كانوا يمدون أيديهم للعطاء من لم نعرف عنهم وكانت أياديهم بيضاء وجب لنا شكرهم ودعواتنا لهم في ظهر الغيب أن يرحمهم الله وأن يسكنهم فسيح الجنان وأن يكثر من أمثالهم ليمسحوا دمعة ويظهروا بسمة ويزيلوا كربه فالحمدلله على القلوب النقية.

عندما نتمنى أن يغيرنا رمضان، ندعو الله ونمتثل لأوامره ونجتنب نواهيه ونكون أصحاب قلوب بيضاء وأيادٍ بيضاء ونعطي على قدر ما نستطيع بكلمة.. بابتسامة... بحرف.. بهمسة، ولا يشترط أن يكون العطاء ماديا وإنما عطاء الروح هو أجمل العطايا التي تأتي من النفس البشرية التي اصطفاها الله جل وعلا وكرمها عن سائر خلقه.

فهيا يا باغي الخير أقبل ولا تتردد؛ فالعمر يمضي والساعات تمر والأيام معدودة، وها هو قد أتى، وها هو قد قارب على الرحيل، فلا تتأخر عن فعل الخير، وبادر سريعًا؛ فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ونسأل الله جل وعلا أن يُبارك لنا في رمضان وأيامه ويجملنا فيه.. اللهم آمين.