"طاش".. عودًا حميدًا ومميزًا

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

شاهدنا في أولى ليالي رمضان هذا العام الحلقة الأولى من مسلسل "عودة طاش" بعد غياب دام لمدة 12 عامًا، افتقده فيها الملايين في العالم العربي من عشاقه، فقد عشنا وعاشت أجيال منذ بدايات العقد العاشر من القرن الماضي كل شهر رمضان مع هذا المسلسل الكوميدي الرائع والهادف، والذي سيطر على وعي المجتمع السعودي والخليجي وحتى العربي لسنين طوال، منذ أن عرض ابتداء على قناة التلفزيون السعودي في العام 1993 إلى أن انتقل إلى قناة mbc منذ العام 2006 وتوقف بعد ذلك نهائيا في العام 2011.

اسم المسلسل "طاش ما طاش" مأخوذ من اسم لعبة شعبية قديمة مُسليّة، تؤخذ فيها قارورة زجاجية لمشروب غازي يخضها أحدهم عدة خضات ليقول لخصمه "طاش ما طاش" أي عند فتح القارورة هل يخرج كل ما فيها من المشروب "طاش" أم لا "ما طاش" فيفوز أو يخسر.

لقد كان هذا المسلسل من أهم الأعمال الفنية الكوميدية الرمضانية التي ينتظرها المشاهدون مع إطلالة كل شهر رمضان لما فيه من متعة وقيمة فنية واجتماعية؛ لدرجة أن مكتبة الكونغرس الأمريكية طلبت أجزاءً منه لوضعها في أرشيفها.

من مميزات هذا العمل أن الفنانين عبدالله السدحان وناصر القصبي أصحاب فكرة العمل كانا يفسحان المجال للجميع بإرسال القصص والكتابات، فيقوم فريق العمل بمعالجتها دراميًا؛ أي أنه في كثير من مواضيع حلقاته كان من المشاهدين وإليهم وقد كان هذان الفنانان الكبيران مع المخرج الراحل عبد الخالق الغانم يشكلون ثلاثي هذا العمل الرائع وقد ارتبط اسمه بأسمائهم معاً.

عودة طاش هذا الموسم بنفس طاقمه الأساسي النجمين ناصر القصبي وعبد الله السدحان مع المخرج الجديد له محمد القفاص، وبروح متجددة، سيشكل لا شك مفآجات مرحة يوميًا طوال الشهر الفضيل للجمهور وعلى نفس القناة mbc في تمام الساعة السابعة مساءً من كل يوم خلال شهر رمضان، لا ينقصه هذا الموسم إلا اسم المخرج القدير الراحل عبد الخالق الغانم الذي استهل المخرج الجديد القفاص مشكورا أولى حلقاته بإهداء إلى روحه رحمة الله عليه.

واستُهلت أولى حلقات المسلسل بمقطع قديم لإحدى رحلات البطلين ناصر وغانم (الكشتة) مع أسرتيهما في سيارتهم الجمس الأمريكية القديمة الواسعة في رحلة برية، وتعرضهم لمنخفض جوي شديد من النوع الذي كثر وتكرر حدوثه مؤخرا على مناطق عدة في المملكة وسلطنة عمان خصوصًا وبقية دول الخليج والجزيرة العربية، مما اضطر أبطال طاش وعائلتهم للجوء إلى سيارتهم للاحتماء والنوم بداخلها ولكن على ما يبدو أن نومهم هذا شابه ما شاب نومة أهل الكهف مع الفارق، فقد صحوا بعد ثمان سنوات من النوم ليتفاجأوا بالتغييرات التي حصلت على المجتمع السعودي والخليجي ومنها سواقة المرأة للسيارة وتعامل المجتمع في مُعظم شؤونه ومعاملاته بواسطة تقنية المعلومات والروابط والمنصات الإلكترونية التي لم يعهدوها من قبل، وفوجئوا بزيادة أسعار خزان سيارتهم التي كانت تكلف 50 ريالًا إلى 250 ريالًا؛ أي 5 أضعاف، وكذا أسعار الطاقة في دول تعد من أكبر مصدري الوقود والطاقة في العالم، وأشد ما أدهشهم وقوف رجال الهيئة لمساعدة اثنتين من النساء السافرات بعد أن تعطلت السيارة التي تقودانها.

كنَّا حتى نحن هنا في ظفار في أقصى الجنوب العربي نسمع عن هذه الهيئة منذ ستينات القرن الماضي وتشددها وذلك من كثرة ذكر أجدادنا الذين كانوا يسافرون للمملكة للعمل في حقول النفط لها، ولبساطة هؤلا كانوا يسمونها (الهيعة) بدل الهيئة وحفظناها هكذا.

قبل أكثر من عشرين عاماً كنت استمع لمقابلة إذاعية مع أحد خبراء التكنولوجيا أثناء حضوره مؤتمر لتقنية المعلومات في القاهرة، وكان السؤال الذي طرحه عليه المذيع: ما المتوقع مستقبلاً في تطور تقنية المعلومات على مستوى العالم؟ وكانت إجابته التي ظلت مترسخة في ذهني إلى الآن بعدما رأيتها تتحقق كما ذكر، أنه قال: إن ما حصل في هذا الجانب طوال القرن الماضي كله يتحقق الآن خلال عقد واحد من الزمن، وما حصل من تقدم خلال العقد الماضي أصبح يحصل في عام فقط، وما سيحصل من قفزات نوعية في المستقبل القريب في كل يوم من تطور سيصعب حتى التكهن به قياسًا على ما سبقه، هكذا سيكون حال تقنية المعلومات هذا.

نتمنى كل التوفيق لثلاثي طاقم "عودة طاش" وأن تكون بقية حلقاته القادمة على نفس مستوى الحلقه الأولى؛ لكي يعالج ما طرأ من تحولات عظيمة وسريعة في كل مجالات الحياة في عصرنا الراهن، وهذه هي الرسالة الأساسية للفن والأدب والفكر.