نحنُ عُمان

 

د. صالح الفهدي

في عالمِ التجاذبات الصّعْبة، والمؤثرات المختلفة، تمثِّل القيم الوطنية هدفًا مقصودًا لتحطيمها، وإعادة تشكيلها وفق الأفكار التي تُحقنُ في الوعي الإِنساني، وعبر مسوِّغاتٍ تزعُمُ الإِنتصار لحقوق الإِنسان، وإتاحةِ مساحةٍ مفتوحة بلا قيودٍ لحريّته، دشّنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والإِبتكار البرنامج التثقيفي "نحنُ عُمان" لطلبة مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عُمان، والطلبة العمانيين الدارسين في الخارج، وهو ثمرة جهود اللجنة التوجيهية "نحن عُمان" التي شُكِّلت بتوجيهات من سلطانِ البلاد أيّدهُ الله تعالى.

لقد شرُفْتُ بعضوية اللجنة التي عملت طوال عامين لتصل إلى هذا البرنامج التثقيفي الذي يعدُّ منطلقًا أساسيًّا، ومرجعًا إرشاديًّا لمؤسسات التعليم العالي يتضمّن الرؤى والمرتكزات والأفكار والتوجهات والبرامج التي تغذِّي تحقيق رسالة ورؤية البرنامج. وإذ كانت انطلاقتنا من العنوان "نحنُ عُمان" فإِننا بهذا العنوان قد حملنا المسؤولية جميعًا بعُمان، ومن هُنا؛ من الصورة الكبيرة تكون الإِنطلاقة الحقيقية لنظرٍ بعيد المدى من أجل مستقبلنا في هذا الوطن العزيز.

"نحنُ عُمان" شعور كل عماني بأنّهُ يحملُ المسؤولية الأمينة لوطنه في عصرٍ تتكالبُ فيه الإستقطابات الحادّة، والتجاذبات الشرسة كمثلِ تداعي الأكلةُ على قصعتها في نهمٍ لا يراعي إنسانية الإِنسان؛، كلُّ طرفٍ يحاولُ انتزاع ما يستطيعُ من نصيب، فالجميع أصبح معرّضًا للغزو اللأخلاقي الخبيث الذي يتقصّدُ ذوبان الهُويات، ومحق القيم الأصيلة، واستبدالها بقيم منفلتة من عِقالِ الفطرة الإِنسانية، وحدود المنطق الأخلاقي.

"نحنُ عُمان" الأمانة الوطنية التي علينا جميعًا أن ننبري لحملها صادقين، غير محابين ولا مجاملين ونحن ننظرُ إلى الصورة الكبرى؛ صورة الوطن العظيم، ومستقبل أجيالنا فيه، بل ومصير أمّتنا عليه، فلا نبخلُ بالكلمةِ البنّاءة، ولا نظنُّ بالمرامي الكريمة، آخذين في اعتبارنا أن كلّ واحدٍ منّا أمينٌ على وطنه فيما يقولُ وفيما يفعل، فلا يتظاهرُ بالغفلة، وقلِّةِ الوعي في ذلك، لأنّ الأمانة عظيمة تقتضي أن يكون كلّ مواطنٍ أكان صغيرًا أم كبيرًا على وعيٍ رشيدٍ بمقتضياتها وواجباتها، بل أن يتصدّى لحملِ الأمانة بكلِّ عزيمةٍ، وإرادةٍ، وحزم.

"نحنُ عمان" وسامٌ على صدور من تربّى ونشأ وعاش على هذه الأرض الزكيّة، التي احتوته بآماله، وأحلامهِ، وطموحاته، فيتذكّرُ في كلِّ موقعٍ أنّه يحملُ عُمان على صدره، مفتخرًا بها؛ تاريخًا وحضارةً وهويةً وأُمّا كُبرى تعطفُ وتحني عليه، وأنّه في كل سانحةٍ من السّوانح يعمل حثيثًا على نمائها، وتقدمها، والحفاظ على كيانها، ومكتسباتها.

"نحنُ عمان" سلاحٌ وقلمٌ وكلمةٌ وساعدٌ وخطى وفكرةٌ كلّها تنصُرُ الوطن في جميعِ الميادين، فكلُّ فردٍ هو جنديٌّ أمينٌ في ساحاتها مسؤولٌ عنها أمام اللهِ والتاريخِ والحضارة، وما كان لعُمان أن تسمو بسمعتها، وترقى بحضارتها، وتعلو بأمّتها سوى بمساهمةِ الأوفياء المخلصين من أبنائها طوال الحقب المتلاحقة في تاريخها. هذه العقيدة الوطنية يجب أن تستمرّ في جوهر كلِّ مواطنٍ يسهم بما يتيسّرُ عليه من جهدٍ وعطاءٍ في سبيل عُمان؛ الوطنُ والأُم والحضارة.

"نحنُ عمان" الهُويةُ التي نعتزي ونفاخر بها في زمنِ تعدُّدِ الهويات والولاءات والإنتماءات لأهدافٍ مغرّرٍ بها في كثيرٍ من الأحيان، والهوية هي الجوهرُ والذات والكينونة والسِّمات التي إن فقدت ملامحها تشوّهت، وإن هي تشوّهت تلاشت ولم يعد للمواطن من هوية يعودُ إليها في أسئلته المصيرية الذاتية، أمّا إن حفظها وأقرّ بها، واتخذها عقيدته الراسخة فسيبقى واثق الخطى، أصيل القيم، عليّ الأهداف، كريم النفس، لأنه وضع لنفسه قدرًا ومكانةً يستحقها، غير آبهٍ للمشاق التي تعترضه، والصعوبات التي تحفُّه، والمعضلات التي تواجهه؛ فهو بشعور الإِنتماء إلى وطنه يشعرُ بالعزّةِ والكرامة.

وأبناءُ عمان مسؤولون عن مستقبلِ عمان، وعن كلِّ مكتسبٍ فيها، بل وعن كلِّ ما يشكِّلُ مستقبلها، وهم لا يكونون كذلك إلا بأنّ يمتزجوا بعمانيتهم، وينسجموا مع وطنيتهم، ويعبروا بانتمائهم وهم يرفعون شعار "نحنُ عمان" الذي هو ضميرٌ قبل أن يكون مجرد كلمتين، وهو عقيدةٌ قبل أن يكون مجرّد سبعة أحرف، وهو منهجٌ قبل أن يكون عنوانًا.

وبهذا سيبرهنُ الجميع أنهم عُمان في تجلِّيات تاريخها، وعظمة أمتها، وفخامة حضارتها، فما "العمانية" هويةً إلا محبة الوطن، والغيرة عليه، والعمل من أجله، والتطلع لمستقبله، والاجتهاد لنمائه وازدهاره، وبهذا يتحقق مفهومها ليكون نتاجهُ مواطنًا رشيدًا يعمل في ميادينها بإِتقان، ويفكر في رحابها بإِخلاص ، ويتطلّع في سماواتها بتفاؤل، ويُعملُ ساعده في أرضها بجهدٍ مستمر.

"نحنُ عُمان" منهجٌ علينا أن نعيشهُ في الواقعِ، ونترجمهُ في الحياة، ونحرصُ عليه بأمانةٍ وصدق، لكي نحقق مفهوم المواطنةِ الحقّة، ونصدقُ في مشاعر الوطنية الخالصة.