شهر العبادة والإحسان

 

‏راشد بن حميد الراشدي **

 

ما إن أهلَّ علينا شهر رمضان الفضيل ببركاته وخيراته وروحانيته التي تستظل النفوس المؤمنة بها، حتى تسابق المسلمون في شتى بقاع الأرض لمرضاة رب العالمين في كل ما أمر به ونهى عنه عز وجل.

شهر رمضان هو شهر العبادة والإحسان وشهر الفضائل والتكافل والرحمة في أرقى صورها ومعانيها العظيمة، وهو شهر المغفرة ومراجعة النفس نحو استشراف الخير لها والفوز برضى الرحمن  وكسب ثوابه الذي أعده الله للصائم والذي لا يجزي به إلا هو وحده جلَّ جلاله.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب (الخصام والصياح) فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم (الرائحة) أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" رواه البخاري ومسلم.

شهر رمضان هو مدرسة متكاملة للفضائل ومنهاج قويم للمسلم نتمنى أن نعقُل ما أنزله الله علينا فيه من خيرات وجوائز عظيمة.

أما ما يحدث اليوم من اهتمام بملذات الحياة والجري وراء الشهوات فهو نقيض ما يحمله الشهر الكريم للمسلمين من خير عظيم فانقلب اهتمام النَّاس نحو التزود بأصناف الطعام التي ترمى معظمها في مكبات الطعام وكذلك النوم في النهار لأوقات طويلة والسهر في الليل فيما لم يأمر المولى به من متابعة الأفلام والمسلسلات وإقامة الأنشطة المختلفة والمسابقات والتي يستمر بعضها حتى السحر.

فبدل أن يكون شهر رمضان شهر الصبر والجهاد في الله على النفس الجانحة نحو الخمول وبدل أن يكون شهر العبادة والذكر وقراءة القرآن وشهر الإحسان ونكران الذات والتأسي بإخواننا الفقراء في قلة حيلتهم والتصدق عليهم.

جاءت صروف الدهر بمغاير روح الشهر الكريم فأصبحت موائدنا مليئة بألوان وأنواع الطعام وأصبحت أوقاتنا مليئة بالملهيات فكان ليلنا نهارًا نعمره بغفلة القلوب ونهارنا ليلًا نعمره بالنوم والخمول… فهل جاء شهر رمضان ليجعل الصوم حملاً تتكبده النفوس والأجساد؟!

ومع ما تعيشه الأمة اليوم من غلاء وأزمات يجب التقنين في إنفاق المال فيما يحب الله ويرضاه بلا إسراف وهدر ومساعدة المحتاج بما تيسر من فضل كان لزامًا علينا أن نتبع نهج الله ورسوله الذي أراده رب العباد لنا من صلاح وأجر.

فهو شهر العبادة والقرآن في أسمى وأعظم قدره.. وهو شهر التوبة والمغفرة والإحسان.. وهو شهر الجنان التي تنتظر المؤمن بشوق المشتاقين لمرضاة رب العالمين.

إن علينا اليوم تغيير عاداتنا وتقاليدنا القائمة على الإسراف والتباهي في الملذات الدنيوية والعودة إلى صبغة العبادة السليمة التي أقرها الله في شهره الكريم من لقيمات يقمن صلب المؤمن وصلوات وصدقات وقراءة القرآن وتعليم النشء وتعويدهم على صيام الشهر وتربيتهم على ما أمر الله به خلال أيام الشهر ولياليه من كف الأذى والمبادرة إلى دروب الخير بشتى أشكالها.

فهنيئًا لمن صام وأقام أيام وليالي الشهر احتسابًا لله عز وجل ونيل ثوابه ومغفرته وهنيئاً لمن جاهد نفسه في ملذاتها وتصدق وأغدق ماله في طاعة الله وهنيئاً لنا معشر المسلمين هذا الشهر الكريم الذي جعله الله جائزة لعباده المتقين.

وكل عام وأنتم بخير وجعل الله شهر رمضان شهرًا دافقًا بالخيرات والحسنات لنا ولسائر المسلمين.

** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية