سالم بن نجيم البادي
قبل قدوم رمضان قام ضحيّ ببناءِ خيمة بين الجبال، وقد أطلق عليها اسم "خلوة ضحيّ" و لا يوجد بها غير حصير ومصحف وإبريق به ماء وسجادة صلاة.. يُريد ضحي الهروب إلى روحانية رمضان، وقد اشتاقت روحه إلى الهدوء ولو قليلا.
وفي رمضان يشعر أنه أقرب إلى السماء من الأرض وأن روحه لها أجنحة تُحلق بها في سماوات زرقاء صافية.. يريد شفاء روحه من الهموم والأحزان والخدوش التي علقت بها طوال أشهر السنة. وقد خاض ضحي خلالها حروبًا مع نفسه ومع الناس خرج منها مهزومًا، وقاسى من الخيبات وموت الأمنيات وسوء الطالع والحظ العاثر ومشقة التعامل مع الناس والاختلاط بهم والتعامل معهم يحتاج إلى قوة وصبر وجلد.
يقولون عنه ما ليس فيه، يظلمونه ويغتابونه ويراقبون تصرفاته، يضخمون هفواته ويفرحون بعثراته وخسائره، ويقابل وهو يسير في دروب الحياة الحاسد والنمام والحاقد عليه من غير سبب والساعي إلى التقليل من شأنه بكل الوسائل، والذي يقزم إنجازاته ويضيق ذرعًا بنجاحه وينكر معروفه هو يسامح ويعفو ويصفح عن كل هؤلاء ويترك أمرهم إلى الله.
وعليه أن يتعلم فنون التعامل مع النَّاس والمجاملة والتغافل والتجاهل واللامبالاة والإعراض وغض الطرف وأن يلبس عباءة ليست على مقاسه بل على مقاسهم يفعل ذلك كي تهدأ الحروب التي يخوضها وهو لا سلاح له غير القلم والكلمة.
ويبقى غريبًا ضائعًا بين الناس، وقد امتلأت روحه ندوبا غائرة وهذه الخدوش التي تراكمت طوال أيام السنة يفر إلى الله ويذهب بعيدًا ووحيدًا يسأل الله المدد ويرجوه أن يخلص روحه من أوجاعها المتوغلة في دهاليزها يريد الانعتاق من هذه السلاسل والأغلال التي تكبل روحه.
وبرغم الخدوش والجراح والخيبات والانكسارات، تظل روحه وثّابة، تقاوم كل ذلك وتمتص الصدمات، وفي كل رمضان تُصاب روح ضحيّ بالإخضرار بعد الجفاف، والسكينة بعد القلق، والدفء بعد زمن الصقيع.
إنه موسم العبادة التي تمارس بغية الأجر من الله والراحة للنفوس المنهكة.
وبعد العصر يذهب ضحي إلى خلوته وتلك لحظات رائعة يقضيها في قراءة القرآن في جو هادئ بعيدًا عن ضحيج الحياة وصخبها. وقُبيل الغروب يعود ضحيّ إلى البيت سعيدًا وقد تخلصت روحه من بعض أحمالها الثقيلة، وهو ينتظر آذان المغرب بعد اجتماع العائلة حول مائدة الإفطار.
وتبتهج روحه بمشهد الأطفال وهم يتسابقون لإحضار أطباق الطعام وفي انتظار الآذان يسود الصمت وتلهج الأفواه بالدعاء حتى يحين أذان المغرب، ثم صلاة المغرب وصلاة التراويح المميزة بحرص النَّاس على حضورها، ثم قيام الليل في السحر والاستغفار وذكر لله وتناول السحور وصلاة الفجر ثم صلاة الضحى وصلاة الظهر ثم العصر وقضاء النهار والليل في الذكر والعبادة والطاعة، وكأنه كرنفال أو حفلة تغمرها أضواء من البهجة والروحانية والإيمان حتى إنك تتمنى أن لا ينتهي رمضان أبدًا ولا شيء يعالج خدوش الروح غير اللجوء إلى الله الرحمن الرحيم.