الرمضانيون

 

ناجي بن جمعة البلوشي

ما زلت لم اقتنع بعد بأن أطلق على جماعة من النَّاس قامت أو فقط تقوم بممارسات أيًّا كانت أنواع تلك الممارسات في شهر رمضان المبارك على أنهم "رمضانيون".

خلال اليومين الماضيين، اكتظت صلاة الفجر في كل المساجد بالمصلين الذين هجروها سابقًا أو على الأقل هجروا صلاة الجماعة في المسجد أو حتى لنقل عنهم تثاقلوا عن أداء صلاة ما مفروضة في وقتها بالمسجد وفي جماعة كصلاة الفجر مثلاً. وبعودتهم القوية إلى المساجد هم يؤكدون تجديدهم لطاعة الله عزَّ وجلَّ المطلقة بامتثالهم لأوامره والالتزام بنواهيه وهذا شيء محمود ويجب علينا جميعاً ان نوآزرهم ونشدد على أيديهم فهم في ضيافة الرحمن وفي بيوته، ومن هذا المنطلق نود أن نضع شيئا ما يساعدهم على البقاء على هذا الامتثال قبل أن تمل النفس وتعود إلى طبيعتها وعاداتها التي اعتادت عليها كالمرح واللامبالاة وعدم التقيد والالتزام وغيرها من الأمور التي في العادة تختلف مع اختلاف الشخصيات وقوتها، فبعضها لا يمضي عليها أسبوع من الزمن حتى تجد أنها قد سيطرت على الشخصية، وقامت بردها إلى ما هو عليه من تخلف وابتعاد عن المساجد ويكون هذا مقدار من ضعف النفس.

أما غيرها من الشخصيات، فتحتاج إلى فترة زمنية أطول لتفرض السيطرة عليها فتجد بعضهم يكون ذا شخيصة أقوى بقليل لتستمر معه النفس حتى نهاية شهر رمضان وبعدها تبدأ بالتمرد والخروج عن الطاعة وهذا أمر معتاد في كل السنوات التي على الأقل كنت فيها ملازما للمسجد ولاحظته بأم عيني. ولا عجب في ذلك؛ فالإنسان ضعيف ومزاجي ويتبع أهواءه ما لم يكن صارما وصلبا في مواطن من مواطن حياته خاصة مع واجباتها كأداء الفرائض أو الواجب العملي أو واجب الإدارة المالية أو غيرها من الواجبات التي لا عاطفة فيها.

وهنا نتساءل ما الذي يجعل للنفس قوة على الإنسان لتسيطر عليه؟ هذا السؤال قد يتبادر إلى كل عاقل؛ فالنفس لا يعلم ماهيتها أحد على الأقل، إلا أننا نجد أنها تتغذى على المعلومات، ونعني هنا بالمعلومات كل المعلومات خيرها وشرها المسموعة والمقروءة والمشهودة والمفعولة والمكتسبة .. إلخ، هذه المعلومات ذاتها هي التي تستخدمها النفس في السيطرة على الإنسان؛ فهي تأتيه في الصلاة وفي عمله وفي جده وفي هزله وفي كل وقت مناسب هو أو غير مناسب فتبدل ما عليه الإنسان من موقف أو تفكير أو تخطيط حتى إنها تجعله يقلق في نومه وفي راحة باله.

لا أستطيع هنا جزمًا أن أشبهها بالعقل الباطن الذي كتب عنه كتب كثيرة ومتعددة لكنها ربما تكون هي ذاتها العقل الباطن لولا أن الفرق في العقل الباطن أنه لا يمكنه الحصول على المعلومات الخيالية كما تحصل عليها النفس من الشياطين الجنية؛ فالنفس تخاف قبل أن تحصل على أي معلومة حقيقية ملموسة ومنها تقشعر الجلود والأبدان تلقائيًا دون أن يعلم شخصها السبب الحقيقي وراء هذا الأمر الذي حدث لها، وهذا أمر أظنه عاشه أحدنا في يوم ما من أيامه، كما إنها تجعل الإنسان يسرع عند المطاردة بضعف ما عليه من قوة، وهي التي انطقت فرعون حين رأى الموت المحقق، حينها قال "آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، ومثل هذا في سياق الآيات التالية "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)".

ولأنَّ المعلومات التي استقتها النفس هي ذاتها تستعملها مجددًا في السيطرة على الإنسان لهذا فإن الخالق عز وجل عالم بالطبيعة الإنسانية ووضع لها حلًا مثاليًا لمحو المعلومات السيئة للأبد من مخزون النفس الغامض كما أنها طريقة بسيطة يمكن لكل إنسان أن يقوم بها والاختلاف فقط يكمن بالمقدار والعدد الذي يساوي عدد ما كسب هو من معلومات سيئة وليقس كل أمرء على نفسه.

هذا الحل هو الاستغفار وعدد مرات الاستغفار فلو أن إنسانًا استغفر في أول يوم رمضان 5000 مرة لمحى عشرات الآلاف من المعلومات السيئة ولو استمر على ذلك طيلة شهر رمضان لمحى الملايين أو المليارات من المعلومات التي اكتسبها وبهذه الطريقة تقل قوة سيطرة النفس على شخصيته بقلة ما معها من مخزون المعلومات فليس باستطاعتها أن تحوله من طريقه إلى طريق هي تهواه ويمكنه أن يجد الطريق إلى طريقه الصحيح وفي كل مرة تميل نفسه يردها بنفس العلاج.