تشو شيوان **
وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا يوم الإثنين في زيارة دولة تستغرق ثلاثة أيام، وقد وصف الرئيس الصيني الزيارة بأنها زيارة صداقة وتعاون وسلام، وقبل وصول الرئيس الصيني لموسكو، ثارت تكهناك كثيرة حول طبيعة الزيارة ونتائجها على الصين وروسيا، وحتى على المستوى العالمي وخصوصًا الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما وأن الصين قد أبدت عزمها على الدخول كوسيط لحل هذه الأزمة العالمية.
الأزمة الأوكرانية ستكون موضوعًا مهمًا وساخنًا خلال زيارة شي جين بينغ إلى روسيا هذه المرة. نعرف أن الصين قد طرحت "خطة سلام" لحل الأزمة الأوكرانية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهذه الخطة تقدم رؤية مختلفة لتهدئة الأوضاع المتوترة. كما نعرف أن الصين قد قدمت مساهمة الوساطة في تحقيق تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران قبل بضعة أيام، فإن خطة السلام أو مبادرة السلام الصينية مهمة جدًا بالنسبة إلى حل الأزمة الأوكرانية أيضًا، والعالم بات يجد في الصين الشريك الموثوق كوسيط في حل المشاكل العالقة عالميًا، والكثير من دول العالم تعول على الصين في قدرتها على إعادة الأزمة الروسية الأوكرانية لطاولة المفاوضات والحوار وإنهاء الحرب وتحقيق السلام.
وفي مقالة للرئيس شي في الإعلام الروسي، ذكر: "منذ وقت ليس ببعيد، أصدرنا موقف الصين بشأن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، الذي يأخذ في الاعتبار الشواغل المشروعة لجميع الأطراف ويعكس أوسع فهم مشترك للمجتمع الدولي بشأن الأزمة. لقد كان بناء في تخفيف آثار الأزمة وتسهيل تسويتها السياسية. فلا يوجد حل بسيط لمسألة معقدة. ونرى أنه ما دامت جميع الأطراف تتبنى رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، وتسعى إلى حوار وتشاور يقوم على قدم المساواة ويكون رشيدًا وموجهًا نحو تحقيق النتائج، فإنها ستجد سبيلًا معقولًا لحل الأزمة، فضلًا عن طريق واسع نحو عالم يسوده السلام الدائم والأمن المشترك". وهذا يدل على أن هناك استراتيجية صينية واضحة في التعامل مع هذه الأزمة مع الاستمرار في الوقوف على مسافة واحدة من الجميع لمعالجة الأمور بشكل موضوعي وهذا أكثر ما تحتاجه الأزمة الأوكرانية لتجد انفراجة قريبة ينتظرها العالم أجمع.
دعونا نعود للعلاقات الصينية الروسية وطبيعتها؛ حيث قال الرئيس الصيني بعد وصوله لروسيا "إن الصين وروسيا عززتا وطورتا العلاقات الثنائية على أساس عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث"، مضيفا أن البلدين قدّما مثالًا جيدًا لتطوير نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى يتسم بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين"، ومن خلال هذا الحديث، نستطيع وضع النقاط على الحروف بأن الصين لا تسعى أبدًا لخلق معسكر شرقي- كما يرى البعض- بل الصين تبني علاقتها مع روسيا على أساس عدم التحالف وعدم استهداف أي طرف ثالث، والعلاقة بين الطرفين مبنية على الاحترام بين قوى عالمية كبرى، خصوصًا وأن الرئيس الصيني قد وضّح شكل وطبيعة الزيارة دون أي مزايدة عالمية من خلال مقاله المنشور في الصحف الروسية؛ حيث قال "إن زيارتي المرتقبة لروسيا ستكون رحلة صداقة وتعاون وسلام. أتطلع إلى العمل مع الرئيس بوتين لنتبنى معا رؤية جديدة ومخططا جديدا وإجراءات جديدة لتطوير شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في السنوات المقبلة".
في عام 2013، قام شي جين بينغ بزيارة دولة إلى روسيا في أول رحلة خارجية له بعد توليه منصب الرئيس الصيني للمرة الأولى. وفي عام 2023، يضع شي جين بينغ روسيا المحطة الأولى مرة أخرى في زيارته الخارجية بعد إعادة انتخابه رئيسًا للصين، ولعل هذا الأمر يوضح بشكل جلي أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يعلق أهمية كبيرة على العلاقات الصينية الروسية، ويعكس أيضًا استقرار العلاقات الصينية الروسية، واستقرار السياسة الخارجية للصين.
خلال السنوات العشر الماضية، حققت شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا تقدمًا كبيرًا ودخلت حقبة جديدة، وفي هذا العام تتجه روسيا والصين نحو الهدف التجاري البالغ 200 مليار دولار أمريكي الذي حدده رئيسا الدولتين، ولا يقتصر التعاون الصيني الروسي على مجال الطاقة فقط، بل في مجالات العلوم والتكنولوجيات الفائقة بما فيها الاستخدام السلمي للطاقة النووية، واستكشاف الفضاء والقمر وغيرها من المجالات الأخرى.
وفي العلاقات الحديثة بين الصين وروسيا، وهي على أساس المعاهدة الصينية الروسية لحسن الجوار والصداقة والتعاون التي وقعتها الدولتان في عام 2001، حيث أقام البلدان آلية تعاون فريدة. وبخصوص العلاقة بين الحكومتين، هناك 5 لجان تعاون حكومية، وعشرات من اللجان الفرعية المشتركة بين الإدارات ومجموعات العمل. أثبتت منظمة شانغهاي للتعاون وآليات البريكس، التي تشارك فيها الدولتان، حيويتها ونفوذها يتوسع بسرعة.
لقد أصبحت العلاقات الصينية الروسية نموذجًا للعلاقات بين الدول لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. وفي ظل الوضع الدولي المعقد والمتقلب الحالي، ستضخ زيارة الرئيس شي جين بينغ- بالتأكيد- دفعة قوية لتطوير العلاقات الثنائية بين الصين وروسيا في العصر الجديد، إلى جانب المزيد من الاستقرار في العالم، خصوصًا وأن الصين بثقلها السياسي سوف تلعب دورًا مهمًا في تحسين الاستقرار العالمي.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية.