مؤيد الزعبي
في الفيلم الصيني "الأرض المتجولة 2" والذي تم عرضه مؤخرًا في العديد من دور السينما في العالم كان هناك طرح للكثير من الابتكارات والأجهزة التكنولوجية الحديثة بالإضافة لاستخدام روبوتات وحواسيب متطورة جدًا، وصحيح أن أحداث الفيلم تُعد من الخيال العلمي ولكن لك أن تتخيل أن كل هذه التطورات مبنية على تقنيات حالية!
وهذا يقودنا إلى سؤال مهم: ماذا عن الصين وابتكاراتها التكنولوجية العالمية؟ وأين الصين من العلوم المتقدمة؟ قد تجد جزءًا من الإجابة هنا في هذا الطرح عزيزي القارئ، فلنذهب للصين ونكتشف ابتكاراتها واختراقاتها العلمية والتكنولوجية.
يُقام في الصين خلال هذه الفترة ما يسمى بالدورتين السنويتين، وهما عبارة عن اجتماعات سياسية مهمة تُضع فيها النقاط على الحروف في كل ما يخص العمل الحكومي والحياة السياسية داخل الصين، وبعيدًا عن السياسية فلقد لفت نظري التركيز الكبير على الابتكار واعتباره هو القوة الدافعة الرئيسية للصين وهذا يبرهن أن الابتكارات الصينية تمضي على قدم وساق لتثري المجتمع العلمي بقدرات هائلة في هذا الجانب.
في البداية دعونا نتحدث عن تقنيات الجيل الخامس "5G" الصينية والتي أثرت العالم بسرعات اتصال بالإنترنت عالية جدًا، والأمر لا يقتصر على سرعة الإنترنت بل الحديث هنا عن فتح النفاذ للكثير من التطبيقات التكنولوجية التي لم نكن نحلم بها لولا وجود تقنيات اتصال الجيل الخامس مثل السيارات ذاتية القيادة والروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وهذه الابتكارات ولدت وترعرت في الصين إذ كان للشركات الصينية الأسبقية في تطوير هذه التقنيات، وأيضًا كان للصين تفوق من حيث تسجيل براءات اختراع 5G متفوقة على الكثير من الدول وبفارق كبير، ومازال العالم لم يكتمل كامل الاستفادة من تقنيات 5G حتى أتت الصين بتقنيات الجيل السادس "6G"؛ حيث تقوم بتجارب وتطويرات كبيرة في هذا الجانب، وقد أجرى باحثون في مختبر تسيجينشان في مدينة نانجينغ بحثا مكثفا عن تقنيات 6G الرئيسية وسجلوا مؤخرًا رقمًا قياسيًا لأعلى معدل انتقال لـ6G في العالم.
وعند الحديث عن الفضاء فهناك نشاط واضح للعيان من قبل الصين في هذا المجال، وقد بدأت محطة الفضاء الصينية العمل بشكل رسمي وتستقبل رواد الفضاء الصينيين الذين يقومون بتجارب فريدة على متن المحطة، ويجري حاليًا اختيار رواد فضاء من جميع أنحاء العالم للمساهمة في تجارب محطة الفضاء الصينية، وتخطط الصين إطلاق مركبتين فضائيتين مأهولتين ومركبة شحن فضائية واحدة أو اثنتين كل عام، وبالحديث عن الفضاء فالصين قد قامت باختراقات كبرى في هذا المجال من أهمها جمع عينات من صخور وتربة القمر والعودة إلى الأرض، وتعد هذه المهمة المحاولة الأولى من نوعها بعد انقطاع أكثر من 44 عامًا منذ مهمة "لونا 24" السوفياتية في عام 1976، إضافة لذلك فقد حققت الصين اختراقًا كبيرًا في دراسة التقنيات الفضائية المكوكية التي يعاد استخدامها لأكثر من مرة، وذلك بعد نجاح المركبة الفضائية التجريبية الصينية المتعددة الاستخدام حيث أرادت الصين من خلال هذه التجربة إيجاد مركبة فضائية قادرة على السفر للفضاء عدة رحلات، والصين في الفضاء سيكون لها مستقبل كبير خصوصًا وأن هناك برنامج فضائي يمضي وفق خطط تطويرية كبيرة.
لقد قامت الصين بتطوير نظام "بيدو" الملاحي والذي يتفوق على نظام GPS بمراحل كثيرة من حيث الدقة في تحديد المواقع وجودة الصورة وسرعة نقل البيانات، وهذا الأمر مهمًا جدًا في تطوير تقنيات السيارات ذاتية القيادة حيث أن من أكبر عقبات هذه التقنيات مشكلة الربط بين السيارات والأقماء الصناعية وعملية تحديد مكانها ومسارها، ولكن مع نظام بيدو الصيني قد تحل هذه المشكلة بشكل كامل.
وفي مجال الحواسيب الحكمومية فقد تمكن الباحثين من جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة خفي الصينية من تطوير حاسبوب أطلقوا عليه اسم Jiuzhang سرعته أكبر بـ10 مليارات مرة من كمبيوتر غوغل "Sycamore" الذي صنعته عام 2019، وهذا الأمر يأخذنا لأمور معقدة جدًا وقدرات عالية في تحليل البيانات، ويمكن استخدام هذا الحاسوب بشكل فعال في الكثير من التطبيقات العلمية أو حتى الاجتماعية والإنسانية.
لو تحدثنا عن تطوير قطاع الصناعات وأنظمة المصانع ذاتية العمل ففي الصين تنتشر خطوط الانتاج ذاتية العمل بشكل كبير، وتجد الروبوتات اللوجستية تعمل ليلًا ونهارًا في توريد البضاعة وتخزينها ونقلها، ولك أن تعلم أن ميناء عالمي مثل ميناء شنغهاي أكبر ميناء في العالم يجري تحميل وتفريغ الحاويات بشكل تلقائي واتوماتيكي، وهذا التطور في قطاع الصناعة والخدمات االوجستية يعتبر فارق كبير للصين على حساب العالم.
وقامت الصين مؤخرًا بتطوير طائرة الركاب التجاري "C919" صينية الصنع بالكامل والتي خرجت من خط الإنتاج في عام 2015 وأتمت أول رحلاتها التجريبية الناجحة في عام 2017، وقد أكملت جميع الرحلات التجريبية خلال العام الماضي، وقد تلقت الشركة المصنعة طلبيات جديدة لـ300 طائرة خلال معرض الصين الدولي الـ14 للطيران والفضاء وهذا ما يأخذنا لأن نجد انشارًا واسعًا لهذه الطائرة عالميًا في قادم السنوات خصوصًا بعد أن يتم تجربتها وتحصل على الثقة العالمية.
وفي الجانب النووي فإن معهد الفيزياء الحديثة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم قد نجح في اختبار نموذج أولي لما يسمى "مدفع شعاع الجسيمات" الذي يعد تقنية أشبه بالخيال العلمي، كونه يسمح بإعادة تدوير الوقود النووي المستهلك، مما يجعله أرخص وأقل خطورة، وعلى جانب آخر فإن مفاعل "توكاماك،" المفاعل النووي الذي تم تصميمه وتطويره بشكل مستقل من قبل العلماء الصينيين أو ما تم تسميته بـ"الشمس الاصطناعية" والقادر على انتاج حرارة بلغت 100 مليون درجة مئوية أي 7 مرات أكثر من الشمس الحقيقية ما يمثل اختراقات جديدة في عملية تسخير طاقة الاندماج النووي تلك الوسيلة التي يمكن أن توفر الطاقة للمجتمع الإنساني لمئات ملايين السنين دون حدوث أي تلوث إشعاعي في البيئة الطبيعية.
الاختراعات والابتكارات الصينية في جميع القطاعات لا يمكن حصرها في مقال واحد فنحن نتحدث عن دولة تقودها الابتكار، وتسعى للريادة في قطاعات الطاقة النظيفة والفضاء السحيق والعلوم المتقدمة، وما هذا إلا جانب أو نافذة بسيطة على الصين وابتكاراتها.
** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لدى مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط