الدورتان السنويتان في الصين والتأثيرات العالمية

 

تشو شيوان **

يجهلُ الكثير من الناس في العالم النظام السياسي الصيني، وتكاد قلة قليلة تعرف كيف تسير الأمور داخل الصين؛ إذ توجد في الصين دورتان سنويتان؛ وهما أهم حدث سياسي صيني، وتُشير "الدورتان"، أولًا إلى المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والذي يمثل أعلى هيئة تشريعية في الصين، وثانيًا إلى المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو الجهاز الاستشاري السياسي الأعلى في الصين.

وعادة ما تقام الدورتان في بداية شهر مارس، ويحضرهما كبار المسؤولين في الصين وعدد من رجال الأعمال والشخصيات المختلفة، وتُعد أجندة الدورتين من أكثر الأجندات ازدحامًا وزخمًا في الصين، حيث تقوم الحكومة بتقديم تقرير الأعمال عن الأعوام الماضية، وأهم التحديات التي واجهتها وكيف استطاعت تذليل هذه التحديات ومواجهتها، إضافة إلى رسم السياسات والتوجهات الحالية والمستقبلية للحكومة، ومن هنا تأتي أهمية الدورتين السنويتين والتي تكشف للشعب الصيني وللعالم توجهات الحكومة في المستقبل.

وبالحديث عن الدورتين السنويتين لهذا العام فقد حضر الجلسة الافتتاحية الرئيس الصيني شي جين بينغ وعدد من القادة الصينيين، فيما اجتمع نحو 3 آلاف نائب في قاعة الشعب الكبرى لأداء واجباتهم ككبار المشرعين في الصين، وقد قدم رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ نيابة عن مجلس الدولة تقريرًا عن أعمال الحكومة حيث استعرض أعمال العام الماضي والأعوام الخمسة الماضية، وطرح اقتراحات بشأن أعمال الحكومة في العام الحالي، وربما هذا الجزء هو واحد من أهم الأجزاء ضمن أجندة الدورتين السنويتين حيث إن المراجعة واستعراض الإنجازات يضع الحكومة الصينية أمام الشعب في صورة تمثل الالتزام الحكومي في تحقيق مصالح الشعب ورعاية مصالحه وحياته.

يقول لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني: "تشمل أهداف التنمية الرئيسية المتوقع تحقيقها في هذا العام ما يلي: نمو إجمالي الناتج المحلي بمعدل يقارب 5%، وتوفير فرص عمل جديدة لنحو 12 مليون شخص في المدن والبلدات، وإبقاء نسبة البطالة القائمة على أساس المسح في المدن والبلدات عند قرابة 5.5%، وإبقاء معدل ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك عند نحو 3%، وتحقيق مواكبة نمو دخل السكان للنمو الاقتصادي من حيث الأساس، وتعزيز استقرار حجم الاستيراد والتصدير مع رفع جودتهما، وتحقيق التوازن الأساسي في ميزان المدفوعات الدولية، وإبقاء حجم الإنتاج من الحبوب الغذائية عند أكثر من 650 مليون طن، ومواصلة خفض استهلاك الطاقة لكل وحدة من إجمالي الناتج المحلي وانبعاثات المواد الملوثة الرئيسية، وإيلاء اهتمام للحد من استهلاك الوقود الأحفوري، وتحسين جودة البيئة الإيكولوجية بصورة مستقرة". ومن خلال هذا البيان يتضح لنا أن الصين ماضية في تحسين جودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، بالإضافة للإيفاء في التزاماتها الدولية خصوصًا فيما يتعلق بالبيئة وبالمحافظة عليها.

إنَّ المُحافظة على استقرار الاقتصاد الصيني ينعكس إيجابًا وبشكل واضح ومباشر على الاقتصاد العالمي، والصين كثاني أكبر اقتصاد عالمي لها تأثير واضح في ضمان استقرار الاقتصاد العالمي والتأثير بشكل إيجابي عليه، وتأتي الدورتان السنويتان لترسمان للعالم بشكل واضح الهدف الاقتصادي للصين مما يُمكن الاقتصادات العالمية من رسم خططها بناء على تأثير الاقتصاد الصيني، وبما أن الأرقام إيجابية فهذا سيرفع من التقديرات الاقتصادية العالمية للعام الجاري.

ومن خلال جلسات الدورتين ونقاشاتها وحواراتها الصحفية نجد أن الصين مازالت ملتزمة بالحوار وببناء مجتمع المصير المشترك مع العالم، وبالرجوع لخطة الحكومة الصينية نجد أنها وضعت نصب عينها الإسهام في تحقيق السلام العالمي وتعزيز العلاقات الودية مع العالم فقد أكد لي على التزام الصين بتطوير العلاقات الودية مع الدول الأخرى بالتوازي مع تعزيز السلام العالمي، وهذا يثبت للعالم مرة أخرى وفي مناسبة سياسية مهمة أن الصين دولة ترعى السلام العالمي، وتجد الحوار وتعزيز العلاقات ضمن خططها الحكومية على أعلى المستويات.

وفيما يخص التنمية الداخلية فقد جاء في تقرير عمل الحكومة الصينية ضرورة العمل على تحسين التوظيف داخل الصين  وإعطاء الأولوية لتعزيز توظيف الشباب ولا سيما خريجي الجامعات، ودعم الطلب على المساكن الجديدة والمحسنة، وحل مشاكل السكن بالنسبة للمتساكنين الجدد والشباب في المدن، وتعزيز التنمية عالية الجودة للتعليم الإلزامي وإدماج المناطق الحضرية والريفية، وتعزيز ضمان خدمات الشيخوخة وتحسين نظام سياسة دعم الأمومة، وهذا يُبين الاهتمام الواضح من قبل الحكومة الصينية في توظيف قدراتها لتحسين حياة الشعب داخليًا.

أما الرسائل والأهداف الخارجية فقد جاء في التقرير  الاستمرار في العمل بالتدابير الحالية لتخفيض الضرائب والرسوم واسترداد الضرائب وتأجيلها، والتشجيع على الاستثمار الأجنبي، وحماية حقوق الملكية للمؤسسات الخاصة ومصالح رواد الأعمال وفقا للقانون، تشجيع ودعم تطوير ونمو القطاع الخاص والمؤسسات الخاصة، وهذا سيعمل بشكل مباشر على تحسين البيئة الاستثمارية الصينية مما سيعزز اندماج الاقتصاد الصيني مع الاقتصادات الأخرى بشكل متناغم وإيجابي.

وحول قضية تايوان، ذكر التقرير بشكل واضح معارضة ما يُسمى"استقلال تايوان" بشكل حازم وتعزيز إعادة التوحيد، وتعزيز التنمية السلمية للعلاقات عبر المضيق، ودفع عملية إعادة التوحيد السلمي للوطن الأم، وبوجهة نظري أن هذا حق من حقوق الحكومة الصينية للمحافظة على استقرار أراضيها بما فيها جزيرة تايوان.

وختامًا.. ستبقى الدورتان السنويتان مفتاحًا مهمًا لفهم الصين وتوجهات حكومتها المستقبلية، وستبقى نقطة رجوع لمراجعة الخطط السابقة وتحسين جودة حياة الشعب، إضافة لكونها فرصة أمام العالم لتعميق فهم الصين والنظام السياسي فيها.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية