د. محمد بن عوض المشيخي **
تُعد قضية المهاجرين إلى دول الخليج العربية واحدة من قضايا الساعة، التي سيطرت على الساحة الإقليمية والدولية طوال العقود الست الماضية، بسبب ما تحمله من أبعاد إنسانية واجتماعية وسياسية وأمنية وديموغرافية.
فمنذ ستينيات القرن الماضي توافدت على دول الخليج العربي موجات بشرية غير مسبوقة من مختلف دول العالم، وعلى وجه الخصوص من شبه القارة الهندية، وذلك للقرب الجغرافي لمنطقة الخليج العربي، بالتوازي مع الرخاء الاقتصادي المتمثل في ازدهار إيرادات النفط، وحاجة المنطقة إلى إقامة مشاريع اقتصادية عملاقة وبنى أساسية في مختلف المدن والقرى الخليجية التي كانت قبل النفط تعيش حياة بدائية في صحاري وأرجاء شبه الجزيرة العربية، وتفتقد بذلك إلى التنمية الفعلية بأبعادها الثلاثة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وفي إطار تلك الطفرة السكانية والتفاعل الاجتماعي بين السكان المحليين والضيوف الجُدد الذين تم استجلابهم للتعمير وبناء المدن والشوارع، وكذلك تقديم الخدمات في المنازل والتجمعات السكنية، ظهرت العديد من الظواهر السلبية التي تتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف الذي يحرص على حقوق العامل، فلعلنا نتذكَّر جميعًا توصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".
لا شك أنَّ هناك مُعاناه إنسانية للمهاجرين لدولنا الخليجية نتيجة تصرفات البعض مع الحلقة الضعيفة المتمثلة في عاملات المنازل والسائقين، وذلك في تأخير تسليم الرواتب الذي يُعد عصب الحياة لهؤلاء الذين تنتظرهم أسرهم في أوطانهم بفارغ الصبر، للحصول على قوتهم اليومي، كذلك هناك ساعات العمل والإجازات الأسبوعية التي يُحرم منها بعض هؤلاء دون مُبرر. كما نرى بين وقت وآخر التجمعات العمالية الكبيرة في المدن الخليجية، على وجه الخصوص الفئة التي تعمل في الشركات الكبرى والتي تعمل بقصد على تأخير تسليم رواتب هؤلاء العمال، والتي يُفترض أن تصرف لأصحابها شهرًا بشهر، حساب الاتفاقيات والقوانين الوطنية الموضوعة من قبل الوزارات المختصة.
لقد تابعنا جميعًا امتناع حكومات بعض الدول الآسيوية عن إرسال عاملات المنازل لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بسبب الشكاوى المتكررة من قبل تلك الفئة، وكذلك تقارير السفارات المتواجدة في العواصم الخليجية.
لا شك أن حكومات الخليج وضعت قوانين وتشريعات واضحة المعالم تتوافق مع اتفاقيات الأمم المتحدة وخاصة منظمة الهجرة الدولية، كما إن لجان حقوق الإنسان المشكلة من الحكومات الخليجية والأجهزة والدوائر المختصة بالرعاية العمالية في وزارات العمل تقوم بجهود جبارة لمحاربة هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك، هناك ضعفاء النفوس الذين يضطهدون من يعمل معهم ويعاملون الضيوف مُعاملة سيئة، وهذا يكشف عن إشكاليات حقيقية يجب على وسائل الإعلام المحلية أن تسلط الضوء عليها، من خلال التحقيقات الصحفية الاستقصائية الميدانية.
لقد كان هم الهجرة في دولنا الخليجية واحدة من القضايا الساخنة التي لم تفارقني منذ سنوات عديدة؛ فالعديد من المفكرين العرب حذروا منذ السبيعنيات من القرن الماضي عبر مقالات رصينة انتشرت على نطاق واسع في أرجاء الوطن العربي، من ما يُعرف بـ"القنبلة السكنية الموقوتة" في المنطقة، خاصة الدول الخليجية العربية التي يزيد فيها نسبة أعداد الوافدين على نسبة المواطنين؛ إذ يحذر هؤلاء المفكرون من هذا الخلل السكاني الذي قد يتسبب في مخاطر وخيمة على الأمن الوطني العربي والخليجي معًا، ويستحضرون في ذلك ما حصل في مناطق أخرى من العالم، وخاصة شرق آسيا في منتصف القرن الماضي.
صحيحٌ أنَّ هناك من يعد ذلك خطابًا تحريضيًا لا مُبرر له ويضر بالمهاجرين الذين هم في الحقيقة مساهمين في بناء هذه الأوطان على مدى العقود الماضية، والتي أصبحت تضاهي الدول المتقدمة وتحرز مراكز متقدمة على المستوى الدولي، خاصة في مقاييس وتقارير منظمات الأمم المتحدة في النمو الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية، وذلك بفضل تكاتف الجهود مع هؤلاء المهاجرين الذين أسهموا في الإنجازات العمرانية وبناء شبكات تكنولوجية ومدن صناعية واقتصادية تساهم في الاقتصادات الوطنية، في إطار التوجه العام لدول الخليج لإيجاد مصادر دخل بديلة للنفط، الذي ظل لسنوات طويلة يُشكل العمود الفقري للموازنات الوطنية في تلك الدول.
ومن حُسن الطالع أني شاركت يوم الخميس الماضي (2 مارس) في حلقة نقاشية وورشة عمل متكاملة الأركان، بجهود خيرة من منظمات المجتمع المدني في كلٍ من لبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة، حول قضايا الهجرة واللاجئين في منطقة الخليج العربي، والدور التكاملي لوسائل الاتصال الجماهيري من أجل تحقيق تغطية صحفية متوازنة لمثل هذه القضايا..
والمقال المُقبل سوف يتناول ما دار في ذلك اللقاء الذي احتضنته إمارة دبي، بعون الله وتوفيقه.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري