تصريح الوكيل والحقيقة المُرّة

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

لا أعلم إن كنت سأقف في صف المؤيدين لكلام سعادة السيد وكيل وزارة العمل لتنمية الموارد البشرية عندما صرح وقال إنَّ هناك ضعفًا في مخرجات التعليم، أم لا؟ إلا أنني أتوقع أن ما قاله صحيح، بغض النظر عن حالة الصخب والانزعاج والزعل التي راودت البعض، بعدما سمعوا وقرأوا التصريح.

الحقيقة تُقال أن ما صرّح به سعادة السيد الوكيل لم يأتِ من فراغ؛ كونه مسؤولًا ودرس الموضوع من مواطن شتى، ويرى أنَّ هناك ضعفًا؛ فالحقيقة المرة التي نرفض تقبلها أن هناك فعلا ضعفًا في مخرجات التعليم.

هذه المرة لن "أُطبّل" ولن أقول إنَّ ما قاله سعادته غير صحيح بحكم أنني خريجة وباحثة عن عمل، وما رأيته في بعض الكليات الخاصة بالتحديد، أن الطالب لا يعرف كتابة اسمه باللغة الإنجليزية!! ولا يجيد استخدام الحاسب الآلي!! لا بل ولا يجيد التصرف بأسلوب جيِّد مع الآخرين. وأتساءل في نفسي كيف وصل  هذا الطالب إلى هنا؟ وكيف له بتخطي كل تلك المراحل الدراسية وهو أساسًا لا يجيد الكتابة بدون أخطاء حتى!

إنَّ ضعف المخرجات لم يأت من فراغ؛ بل نتيجة عدم حرص وعدم انتباه وعدم معرفة وضع ذلك الطالب، وما حلَّ به وعدم متابعته متابعة دقيقة.

الواقع المرير أن عدداً من كلياتنا وجامعاتنا عندما تستقبل الطالب خريج الدبلوم الثانوي تتعامل معه وكأنَّه بروفيسور في اللغة! وتتعامل معه معاملة الفاهم الواعي لكل شيء من  خلال الدروس المقدمة وطريقة الشرح والأسلوب، غير أنه كان يجب على المؤسسة التعليمية التعامل مع الطالب الذي يأتي إليها بطريقة مختلفة فتبدأ معه من حيث انتهى في دراسته الثانوية، وهي دراسة لا تُقارن أبدًا بطبيعة الدراسة الجامعية، لكن ما يحدث في كثير من الأحيان أنهم يرفعون شعار "مشي حالك" حتى يقع الفأس في الرأس!

هذا الطالب القادم من المدرسة إلى العالم التقني والرقمي والصوتي والعالم الجديد ألا يحق له أن يعلم أين هو وكيف مضى به الوقت وهو على تمشية الحال (صابت صابت خابت خابت)، من هنا لا يحق لنا كذلك أن نلوم هذا الطالب، وإنما نلوم المؤسسات التعليمية بمخرجاتها الضعيفة وغير المدروسة؛ فلا دراسة ولا حتى اهتمام!

أن أضع منهجًا ما في تخصص مُعين ولا أهتم بمن سيقدم المحاضرات ومن سيلقيها على الطلبة، فإن الطالب لن يفهم وسيضطر إلى حفظ ما يستطيع حفظه دون فهم بدون وعي ودون إدراك، فقط هو يريد الحصول على درجة النجاح، وقد لا يفرق معه أن يكون فاهمًا أو واعيًا أو مدركًا لما يدرسه ويذاكره! وهذا في حد ذاته يعد أحد جوانب الضعف التي تنخر في المؤسسات التعليمية، والطالب هو الحلقة الأضعف هنا، فقد اجتهد وسعى لحفظ ما عليه، ويقضي حياته الجامعية على طريقة "صابت صابت...".

لا شك أنَّ تصريح سعادة السيد الوكيل أشعلت شرارة الاستياء لدى بعض المخرجات التعليمية، لكن في الوقت نفسه هناك من "هرف بما لا يعرف" وهناك من أخذته العزة بالإثم، أو الغيرة أو التعقيب دون دراسة لأبعاد التصريح، في سلوك من المؤكد أنه غير مقبول، حتى إن البعض نال من شخص صاحب التصريح!!

صحيحٌ أن العماني مجتهد طموح، لكن الكثير من المخرجات الآن تعاني من ضعف في المهارات المطلوبة لسوق العمل، وهذا ما نلمسه ونشاهده جميعنا.

لستُ بصدد الحديث عن أن العماني نجح في تقلد أرفع الوظائف وصار وزيرًا أو قاضيًا أو وكيل وزارة أو كاتبًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو مبتكرًا... إلخ، فهذا أمر متعارف عليه ولا يختلف عليه اثنان، لكننا بصدد الإشارة إلى أن خريج المؤسسات التعليمية لا يواكب سوق العمل، في حين أن على هذه المؤسسات أن تضع بين أولوياتها تأهيل وتدريب الطالب أثناء الدراسة، وهذا ما يحدث في الجامعات الغربية، فالطالب لا يمكن أن يحصل على شهادة التخرج دون تلقي منحة تدريبية (عادة تكون مدفوعة الأجر) في عدد من الشركات لعدد محدد من الأيام أو الأسابيع، يكتسب من خلالها العديد من المهارات والخبرات، والأهم من ذلك أنه يتعرف على طبيعة سوق العمل.

ورغم كل الجدل المُثار حول التصريح الذي أرى أنه أصاب عين الحقيقة، إلّا أننا نتمنى من المسؤولين عن ملف الباحثين عن عمل، مواصلة البحث عن الحلول اللازمة لهذه القضية، فقد أصبح الواقع صعباً للغاية، وكثير من الشباب أصابهم اليأس والإحباط، وحتى إن كانت بعض المخرجات ضعيفة، فمؤسساتنا هي المسؤولة عن تصحيح هذا المسار وتعزيز كفاءة المخرجات، ليس فقط من خلال تدريس أفضل المناهج، ولكن أيضًا عن طريق مساعدة الطالب على مواكبة متطلبات سوق العمل.

إننا ننتظر من المسؤولين الإعلان عن خطة متكاملة وواضحة المعالم لتشغيل الشباب، سواء في وظائف تقليدية، أو في العمل الحر، المهم أن نعمل، هو شعار رفعته وزارة العمل سابقًا، ولا أعلم إن كانت ما زالت ترفعه أم لا؟!