رياحُ الحُب!

 

سالم بن نجيم البادي

حين تهب رياح الحب على القلوب تبدأ رقيقة وعذبة تسوق الغيث؛ لينبت الزهر وتنمو الأمنيات الحالمة والأحلام الوردية الواعدة بحلو الأيام ولذة الحياة ويضج الكون بفرح عارم.

إنه الحب الوليد بين الرجل والمرأة حين يكون عفيفًا وطاهرًا ونقيًا من الحرام والعيب والخلوات المحرمة والهمسات الماجنة والمواعيد المخفية وبعيدًا عن الشهوات والمصالح والأطماع والدناءة وحب التملك والأنانية.. الحديث هنا عن انجذاب الأرواح والقلوب الذي يحدث هكذا دون مقدمات، ولا تسأل عن العمر الذي يمكن أن يقع فيه الإنسان في الحب. ألم أقل لكم إنه انجذاب لا إرادي وتوافق روحي ونفسي، وربما تشابه في الصفات والاهتمامات المشتركة وهذا لاعلاقة له بعمر الإنسان إطلاقًا.

ولكن الوقوع في الحب بعد النضج يكون أشد نضجًا وثباتًا ويعيش طويلًا، على خلاف الحب أيام المراهقة الذي ربما يكون بدافع العواطف الجياشة حين تكون في أوج ثورتها. ولا يُمكن التعميم، وقلنا ربما ولم نجزم، فقد يكون الحب في زمن الصبا قويًا ويقود إلى الارتباط الأبدي؛ أي الزواج وانجاب الأولاد والبنات وتأسيس حياة أسرية مستقرة وهانئة، رباطها الحب الذي يستمر إلى نهاية الحياة.

إن تاريخنا الأدبي يحتفي بالحب كثيرًا؛ الشعر والأغاني والروايات والأدب وقصص "مجنون ليلى" و"كثير عزة" وعنترة بن شداد ومحبوبته عبلة وعمر ابن أبي ربيعة وغيرهم من العشاق ومجانين الحب والأساطير القديمة والحكايا وأهازيج البعد والفراق والهجر والشجن والغياب.

والشعر العربي منذ عصر الجاهلية وحتى الآن، يعد الغزل أحد أهم أنواعه والكثير من الناس تمر عليهم رياح الحب، وقد تكون رياح هوجاء تخلف وراءها العذاب... عذاب الحب والأشواق والحنين والوصل والفراق والرضا والزعل والغيرة والغضب والحزن والألم والفرح والأوهام والخوف من الفقد والخيال المجنّح والتفكير الطويل في الطرف الآخر وترقب اللقاء وتخيل المحبوب في صورة ملائكية لا تشبه البشر، وتوقع المستحيل منه، وبعد بداية هادئة ورائعة لرياح الحب قد تنقلب هذه الرياح إلى عاصفة قوية ومدمرة حين يحدث الفراق وغالبًا ما يحدث.

وقد تقتلع هذه العاصفة القلوب من جذورها وتترك دمارًا شاملًا في النفوس والأرواح وجروحًا غائرة تحتاج زمنًا طويلًا حتى تندمل وقد لا تندمل إلى الأبد ويذهب كل في طريق مع بقايا من جروح وذكريات باهتة وتجارب خائبة.