السلطنة وواقع مدركات الفساد العالمي

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

في مناقشة دورية جرت بمجلس العموم البريطاني مُؤخرًا، تساءلت إحدى عضوات المجلس عن الأسباب التي أدت إلى تراجع مرتبة بريطانيا في تقرير منظمة الشفافية الدولة- التي تتخذ من برلين مقرًا لها- حول الفساد في العالم لسنة 2022، وقد أوردت العضو أسماء عدد من الدول الأخرى التي تراجعت في محاربة الفساد من بينها السلطنة، وأذربيجان، ومانيمار، وقطر.

وفي الواقع فإن الدول التي تراجع ترتيبها في التقرير ليست خمس دول كما تحدثت عنه عضو المجلس فحسب، بل عدد كبير من دول أخرى بلغ 26 دولة تأتي بعض الدول العربية في مقدمتها. وقد حققت 95% من دول العالم تقدمًا ضيئلًا أو لم تحقق أي تقدم على الإطلاق في التقرير الأخير منذ عام 2017 وفق بيانات تقرير المنظمة. ويصنّف التقرير مؤشر مدركات الفساد والتغيرات التي تشهدها 180 دولة في العالم من خلال متابعة مستويات الفساد في القطاع العام على مقياس يبدأ من صفر وهو (شديد الفساد) إلى درجة 100 وهو (نظيف جدًا)، في الوقت الذي رصد فيه التقرير أن مدركات الفساد بقي مُعظمها عند 43 نقطة لمعظم دول العالم وذلك لمدة 11 عامًا على التوالي، فيما تعاني أكثر من 120 دولة- أي ثلثي الدول- من مشكلة الفساد المُستشري في مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية. وتبين من خلال التقرير الأخير أن الدنمارك جاءت في مقدمة الدول التي تحارب الفساد؛ إذ حصلت على 90 درجة في المؤشر، تلتها فنلندا، ثم نيوزلندا بواقع 87 درجة، بينما حصلت كل من جنوب السودان وسوريا على 13 درجة والصومال على 12 درجة لتأتي في أسفل مؤشر مدركات الفساد.

وترى المنظمة أن العالم بحاجة إلى عمل مستمر لوقف الفساد خاصة في المؤسسات الحكومية؛ إذ إن معظم الحكومات تفشل في وقف هذا الأخطبوط بالرغم من الجهود المتضافرة والمكاسب التي تحققها بعض الدول بشق الأنفس؛ إذ فشلت 155 دولة ولم تحرز أي تقدم ملحوظ في مكافحة الفساد أو تراجعت عنه منذ عام 2012.

ويأتي الصراع والأمن والمشاكل السياسية والاقتصادية في قمة هذه القضايا في دول العالم؛ حيث ما زال السلام العالمي يتدهور منذ أكثر من 15 عامًا مضت، فيما يُعد الفساد سببًا رئيسيًا في هذا الشأن في تعزيز تلك الصراعات. كما إن الفساد يقوّض حركة وقدرة المؤسسات الحكومية في حماية مصالح الناس، وتقويض ثقة الجماهير والمراجعين في الأعمال اليومية، ويزيد من البيروقراطية، ويخلق مزيدًا من التعقيدات في الأعمال، الأمر الذي يزيد من صعوبة السيطرة على التهديدات الأمنية الأخرى. كما يخلق الصراع في المؤسسات فرصًا للفساد وتخريب جهود الحكومات التي تعمل من أجل إيقافه بصورة أو بأخرى.

وتلاحظ المنظمة أنه على مدى عقود مضت، رحبت بعض الدول بالأموال القذرة التي تأتي من الخارج مما ساعد الفاسدين في تلك الدول على زيادة ثرواتهم وقوتهم وطموحاتهم السياسية المدمرة، مطالبةً- أي المنظمة- في الوقت نفسه الحكومات بفتح مساحة كبيرة لإشراك الجمهور في صنع القرار مع  النشطاء وأصحاب الأعمال والشباب والفئات والمجتمعات المهمشة. فالمجتمعات الديمقراطية هي التي يمكن لها أن ترفع أصواتها لاستئصال الفساد والمطالبة بعالم بعيد عن الفساد والتلاعب والغش والازدواجية في صنع القرارات، في الوقت الذي تسود فيه اليوم حالات الكساد في عدد من دول العالم.

الدول الأوروبية ورغم حصول بعضها على درجة متقدمة في مكافحة الفساد، إلا أنها ما زالت في  طريق مسدود لأكثر من عقد وتراجعت ترتيبها على مدار السنوات الخمس الماضية بسبب التأثير غير المبرر على صنع القرار، وسوء تطبيق ضمانات النزاهة والتهديدات لسيادة القانون التي تقوّض جميعها فعالية الحكومات ومؤسسات القطاع العام.

أما الدول التي تعاني من الفساد والمنخفضة ترتيبها فهي غير قادرة على إحراز تقدم كبير؛ الأمر الذي يهددها في وضعها الأمني واستقرارها السياسي والاعتداء على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتزايد الاستبداد وإضعاف أعمال المجتمع المدني كمراقب على الحكومات التي تحاول إعطاء قوتها في الانتعاش الاقتصادي على جهود مكافحة الفساد.  

وأخيرًا بالنسبة لسلطنة عُمان، تراجع ترتيبها في قائمة الدول؛ إذ حصلت على 44 درجة في التقرير، واحتلت المرتبة الـ69 على القائمة من بين 180 دولة. وفي الآونة الأخيرة بدأ جهاز الرقابة المالية والإدارية في نشر التقرير السنوي له على مستوى جميع وسائل الإعلام مع ذكر المؤسسات التى أهدرت الأموال العامة، ومتابعته للقضايا العالقة خلال الفترة المقبلة؛ الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى تغيير الأحوال الاقتصادية للمؤسسات نحو الأحسن. ومن باب حرص الجهاز على متابعة تلك القضايا أولًا بأول، فقد نشر مؤخرًا عدة إعلانات لتجسيد الشراكة مع المجتمع العماني في موضوع حماية المال العام وصون مقدرات الوطن ومنجزاته، منوهاً أفراد المجتمع أنه على استعداد للحصول على جميع المعلومات والشكاوي في المؤسسات العامة سواء عبر إرسالها مباشرة للجهاز أو عبر الاتصالات، فيما أكد الجهاز في بيانه أنه سوف يتعامل مع تلك المعلومات بسرية ومهنة عالية وفق قوانين الجهاز في هذا الشأن.

الأكثر قراءة