في مهب الريح

 

عائض الأحمد

 

صديقي الفاضل الغني عن التعريف صديق الجميع مُحب الحياة، كثير الابتسام، أو هكذا ظننت، ولم أكن أعلم مكنون تلك الابتسامة، وكأنها كانت تسخر من حياته ومُعاناته الدائمة، فيستظل بما تخفيه خلفها من ألم داخلي لم أكن أشعر به كغيري من معارفه وأقرب الناس له.

لكنه صرخ ذات مساء فأسمع الأصم وأنطق الأبكم، ليس لهول ما يقول، ولكن لألم الحديث المتعثر والحروف التي تسبقها دموع الندم، كبرياء أحرقت أجفانه المتهدجة وأشعلت مقلتيه الشاحبة، بحثا عن رسول سلام وطمأنينة غادرت حماه قاصدة أوطاناً خالية من أرواح البشر، يسكنها طالح المتعثرين، وبقايا إنسان، سلك مسلك المصابين بعين النقمة، دون أن يحسب عاقبة الأمر، فدخل برجليه وخرج بكفنه يحمله بيديه الخائبة، مغطى بسواد أفعاله الجامحة في لحظات انهيار إنساني عقيم، لم يصفو له طيب خاطر ولم ينشده يوما في أكثر أحلامه إزعاجاً.

من ينشد الكمال فسيغرق في وحل مثاليته الزائفة، ثم يتربع على ضفاف منقذيه، أين أنتم مما يحدث؟ مُطأطِأ رأسه يمشى الهوينى، كنت بين ظهرانيكم ولم أكن عبئا على أحدكم ويل لكم فماذا صنعت بى وبكم غفلة مراهق لم يدعوها ولم ينتظرها يوما حين أتته في سكرة أوهام طائشة فغمرت أوصاله، كاذبة تقذفه ذات اليمين مرة وذات الشمال مرات، ولم تكن تعنيه في شيء فأسقطها حينما استفاق من غفوته وعاد محمولا فيما يشبه "نعشه"  فلم تعد قدماه ذات قدرة كما هو حاله.

استجداء ما تبقى منك يدعو للشفقة، فقسوتك أصابتك في كبد، مخلفة دمارا ذاتيا، سعيره راحتك حينما أقصاك أقربهم لذاتك، واستقبلك زمهرير جهنم مرحبًا بقدومك باسطا ذراعيه هل من مزيد.

يقال إن أكثرهم ذكاء أكثرهم سقوطا، فغرور الذات لم يدرك معه مفهوم من أنا.

ختامًا.. الأرواح تعرف بعضها حينما يغفو العقل.

*****

ومضة:

المال لا يشتري السعادة، والسعادة لا تشتري الحر، إن باعه الزمن!

يقول الأحمد:

لم يعد لصوتك جدوى، الفراغ أكبر من الصدى.

شيء من ذاته:

أرجوحة تتدلى بذات الحبل الأكثر رقة، تتهادى ذهابًا وعودةً، فارغة يحركها الريح، وتتقاذفها الأيدي كلما أبطأت، رسم لها طريق اللاعودة.