الشخصية القيادية

د. سلطان الخروصي

تُمثِّل الشخصيات القيادية أحد أهم مرتكزات مؤسسات المجتمع الناجحة؛ حيث يكون لها القدرة والثقة في بناء رؤيتها وسياستها وأهدافها ورسم خارطة تحقيقها لمدارك التميّز والجودة والإبداع، فأينما خُلقت الكوادر القيادية وعززت قدراتها وملكاتها ومهاراتها أسست بذلك القاعدة المتينة التي يُمكن أن ترتكز عليها بكل ثبات وقوة، فمن هي الشخصية القيادية؟، وما سماتها، ومكوناتها؟

 سنحاول في مقالنا هذا أن نُسلِّط الضوء على هذا المفهوم العصري والمطلب الجوهري في المؤسسات الحديثة.

يمكننا أن نوجز تعريف الشخصية القيادية على أنها القائد الذي يمكنه التدُّرج في المستويات الوظيفية والمسؤوليات المجتمعية بصورة تراتُبية مُتسارعة انطلاقًا من طبيعة عمله الدقيق، وهو في ذلك يعتمد في مواقفه وتصرفاته المسؤولة على قدرة أدائه وكفاءته وخبرته الناضجة، ويتسم بإدراكه للأهداف العامة والدقيقة التي تندرج ضمن مسؤولياته ومهامه، وقدرته وتميّزه بمهارات البحث وجمع البيانات والمعلومات التي تتوافق ومنصبه الحالي، ويتمتع بالقدر الكافي من الخبرات والمهارات التي تُسرّع وتبسِّط الإنجاز للمؤسسة والمجتمع، وله القدرة على ضبط النفس وتحكُّمه الانفعالي، ويمتلك الطموح والرغبة في تطوير ذاته والحصول على المؤهلات العلمية التي تفتح مداركه لتحقيق الإدارة الناجحة، ويمتلك الجاذبية العالية والكاريزما الاجتماعية الفاعلة لإقناع الآخرين، ويتمتع بالمستوى العالي من الصحة النفسية والعقلية، ويتسم باللباقة وجمال الحديث والتعبير، ويمتلك قسطا وافرا من الذكاء الاجتماعي الذي يساعده في فهم ذاته ومراجعتها وفهم الآخرين، وله القدرة على رسم الخطط ومسارات تحقيقها وإتاحة الفرصة لتقديم التغذية الراجعة لها والاستفادة من الأخطاء.

ويغلب على الشخصية القيادية الناجحة الخُلق والذوق الرفيعين والشعور بالمسؤولية أنه قدوة يُحتذى به في مؤسسته أو وسط أبناء مجتمعه، والاهتمام بالنظافة الشخصية والتأنُّق وتجميل مظهرها الخارجي، علاوة على امتلاكها المهارات في فرض سلطتها وقيادتها بصورة سلسة وسليمة تمكنها من استمرارية العمل بكل أريحية وقناعة، وتتميز بخفة الظل والفكاهة في حدود ما يحفظ قيمتها وهيبتها ومكانتها، ولها القدرة على اتخاذ القرارات بصورة صحيحة ومنطقية، وتمتع بمهارات حل المشكلات بسرعة وبديهة وبأقل كلفة ومجهود، وتتميز بتوجيهها الآخرين وتعزيز موقفها نحوهم والتأثير عليهم بكل قناعة وتقبُّل، ولا تُعير اهتمامها للأخبار الكاذبة أو المتناقلة من أطراف سلبية أو غير فاعلة، وملتزمة بقيم أمتها ومجتمعها وعاداتهم وتقاليدهم النبيلة.

تتباين الشخصيات القيادية في المجتمع والتي يوجزها علماء النفس والمختصون في مجالات الإدارة والقيادة وتنمية الذات في ثلاثة أنماط وهي: الشخصية القيادة الديمقراطية والتي تتمتع بالسمات الآنف ذكرها في مطلع هذا المقال، والشخصية القيادية الانهزامية والتي تتجرَّد من جميع السمات الواردة أو أغلبها ولا يكون لصاحبها إلا القيادة بالاسم فحسب، وآخرها الشخصية القيادية الدكتاتورية التسلطية والتي تتفرَّد في كل شيء، ولا ترى من النجاح والتميُّز والإنجاز إلا ما تعتقده نابع من رأيها وتفكيرها والتفرد في كل قرار، وتعتقد أن إشراك المجتمع هو ضعف لشخصيتها ومكانتها وموقعها الوظيفي والمجتمعي.

تشكل القيادة الناجحة أهم ركيزة لنجاح أي مؤسسة حكومية أو خاصة أو مجتمعية، ولا يمكن خلق تلك الشخصيات القيادية إلا من خلال معايير وأسس تساعدنا في بناء مثل هذه النماذج الرائدة، ومن تلك المعايير والصفات التي توحي لنا بذلك النموذج هو الطابع الإيجابي؛ إذ يتميز بعلو كعب أخلاقه ومصداقية تعامله مع الآخرين، ويستمع ويستمتع بمناقشات من هم تحت قيادته، ويبعث الروح الإيجابية لمن حوله، يلي ذلك القدرة على بث روح التحفيز والنشاط والمنافسة والمثابرة؛ فيخلق في نفوس من حوله الثقة والإقدام والشعور بالمسؤولية الذاتية بعيدا عن الترهيب والتخويف والتشكيك والتقزيم، إضافة إلى تمتعه بمهارات تكوين قيادة الفريق الواحد بعيدا عن الفردية والوحدانية والشخصنة في المسؤولية، وقدرته على خلق جو من التنافس العالي وتعزيز قيمة الدعم والإسناد المتبادل، وقبل كل ذلك لابد أن يتمتع بالتواضع واحترام الآخرين.

دمتم قادة أعزاء،،،