تكلم يا ضحيّ!

 

سالم بن نجيم البادي

يطاردني هذا السؤال: وين ضحيّ؟ وضحيّ يعيش حالة من السبات الشتوي بعد أن ضاق ذرعًا بالنقد غير البناء وغير القائم على أسس علمية، وجُل ذلك النقد ظالم وهدَّام، فمن يصدق أن ضحيّ عدو للدين ورجال الدين، وأنه ينتقد النصوص الدينية قطعية الثبوت، وأنه يُطالب بحقوق النساء، وهو بذلك يركب موجة النسوية! وكل ذلك يستوجب التوبة والاستغفار قبل فوات الأوان!!

قالوا إنَّ ضحيّ ينشر السلبية حين يطالب بدراسة أحوال الأطفال وكبار السن الذين يبيعون على الطرقات والزوايا، وعندما أشار إلى ذلك الرجل الذي شدَّ الرحال إلى دولة خليجية يبيع في شوارعها الموز والحلوى الرخيصة، فقامت عليه الدنيا ولم تقعد.

وتحت مقولة "العمل ما عيب"، هل يُراد للناس أن يذلوا أنفسهم للحصول على لقمة عيشهم وإن كانت زهيدة؟ ألا توجد طرق أخرى لكسب المال؟ وضحيّ يطرح هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة؛ لتكون موضوع نقاش وأخذ ورد، بهدف الوصول إلى حلول تقضي على المشاكل أو التخفيف من وطأتها على المواطن البسيط. يريد ضحيّ للناس أن يعيشوا حياة حسنة في ظل وطنهم المعطاء.

قالوا إن ضحيّ غير صادق فيما يكتب، وإن ما يقوله غير صحيح، وهو مجرد خيال يشبه الدراما الهندية، وقالوا ضحيّ مغرور وشايف نفسه، وتوالت التهم على ضحيّ المسكين، وقالوا له لقد فضحتنا.. ألا تستحي؟!

وضحيّ يوجعه ويشقيه كل ما يوجع الناس، وقد ألفته قلوب الناس؛ إذ يأتون إليه ليتكلم عن مطالبهم ومشكلاتهم.

الحارس الذي عند باب وكالة السيارات يستوقفه طالبًا منه الكتابة عن غلاء فواتير الكهرباء وعن القراءة التقديرية لها، وموظف الاستقبال في إحدى الجامعات ما إن عرفه حتى أخذ يُحدّثه عن قضايا كثيرة، وقال له لا تتوقف عن الكتابة حول المواضيع التي تهم الناس، ولك الأجر والثواب من عند رب العالمين. ثم جاءه معلم وقال له "أنا منذ 17 سنة أعمل خارج محافظتي وأطالب بنقلي إلى محافظتي بسبب ظروف عائلية قاهرة وفي كل سنة أقدم طلب نقل ويتم رفض طلبي". والرجل المسن الذي كان يقوم بإجراءات تجديد إقامة العامل الوافد في مكتب سند، يسأل ضحيّ لماذا يأخذون نقودًا كثيرة من أجل التجديد؟ ولماذا هذه الإجراءات المشابهة لإجراءات العامل الجديد بما فيها التأشيرة والفحص الطبي والعامل موجود ومُقيم في عُمان منذ 20 سنة؟! وهو يعمل في مزرعة صغيرة، وقد أخرج الرجل ورقة من جيبه مكتوب فيها تكلفة تجديد إقامة العامل الوافد كما يلي: 141 ريالًا لوزارة العمل و20 ريالًا للتأشيرة و30 ريالًا للفحص الطبي و9 ريالات لمكتب سند و11 ريالًا للشرطة، وأردف قائلا "هذا كثير على من كان في مثل ظروفي المالية الصعبة".

وهناك الرجل المتدين الذي قابل ضحيّ في السوق وطلب منه الكتابة عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، وعن الجرائم والسلوكيات التي انتشرت بينهم والتي لم تكن موجودة من قبل في المجتمع العماني، ومخالفتهم لتعاليم الدين وتقصيرهم في العبادة كما يقول.

وأيضًا الشاب الذي جاء مُهرولًا إلى ضحيّ وهو يهم بإيقاف سيارته في مواقف السيارات أمام مقر عمله، يريده أن يكتب عن إحدى الشركات التي تقصر في القيام بواجبها. وقال له شاب من الذين يبحثون عن عمل: "نحن أربعة إخوة كلنا لم نجد وظائف حتى الآن اقترح عليهم توظيف واحد منَّا على الأقل". وقال "يوجد أيتام في سن العمل وهم من فئة الضمان الاجتماعي، فلماذا لا تكون لهم الأولوية في التوظيف؟". كما جاءه أحدهم وقال "رأيت اليوم رجلًا كان يضع اللثام على وجهه ويبحث في القمامة عن علب المشروبات الغازية الفارغة ليبيعها، وكان ذلك الساعة السادسة صباحًا في هذا البرد الشديد، فاكتب عن الفقراء أمثال هذا الرجل".

واتصل أحدهم بضحيّ يريده أن يتحدث عن قضية ذوي الإعاقة الذين تخرجوا في بعض المعاهد الخاصة بذوي الإعاقة ووُظفوا في الوحدات الحكومية برواتب متدنية وفي درجات مالية دنيا، ومع مرور السنوات لم ترتفع هذه الرواتب، وقد عجزوا عن بناء بيوت وتكوين أسر.

وقال شاب آخر: "نحن ثلاثة شباب نعمل في مؤسسة خاصة بعيدًا عن أهلنا وصاحب المؤسسة جعلنا نسكن في غرفة واحدة مع العمالة الوافدة، ولا اعتراض على ذلك كلنا بشر، لكن هم لديهم عادات وسلوكيات وتصرفات مختلفة، وهذا يسبب لنا الإزعاج والضيق والحرج".

وجاء رجل غاضب إلى ضحيّ وقال له "اكتب عن أسعار الأسماك فقد وصل ثمن بعض الأنواع إلى 3.500 ريال، وما قدرت اشتري، وعائلتي كبيرة لا يكفينا كيلو واحد". كما اتصل بضحيّ أحد ملاك الشاحنات يشكو من مزاحمة الوافدين للعُمانيين في مهنة قيادة الشاحنات.

قائمة الذين يتواصلون مع ضحيّ لطرح قضاياهم طويلة جدًا، وضحيّ يشعر بالحرج والخجل من الناس وهو في حيرة من أمره؛ ماذا يكتب؟ وماذا يترك؟ وقد قرر العودة إلى الكتابة عن هموم الناس، وحين تنهال عليه سهام النقد يستقبلها بالصبر الجميل والصمت، ومع قلة حيلته هو لا يَعِد الناس بشيء، ويقول لهم سوف أحاول أن أطرح قضاياكم وعسى خير!