التهجم على العلماء «لعب عيال» (2)

 

د. مجدي العفيفي

 

الهجمة الراهنة على علماء الإسلام ومفكريه ورموزه، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولن تتوقف سلسلة التهجم ولا التهكم على الشخصية الإسلامية، بمعناها الإنساني، ورموزها العظيمة، وملامحها المستمرة، ومعالمها الخالدة، وشواهدها الشامخة، ومشاهدها السامية، عبر الأزمنة وعبر الأمكنة، ولو كره الحاقدون، فقد صارت لعبة مكشوفة، ممسوخة، ساذجة، مفضوحة، لا تصمد كثيرا أمام الحقائق، فعقيدتنا ليست هشة، ولا ثقافتنا ولا مرجعيتنا، وليست جذورنا في الهواء مثلهم، فأصولنا ضاربة في عمق الزمان والمكان والإنسان، فنحن لا نشتري تاريخًا ولا نصنعه، ولا نتسول حضارة نتكئ عليها، حتى نخاف من أية هجمة همجية ضد الإسلام، أو نبي الإسلام العظيم، أو فكر الإسلام الذي لا يُدانيه فكر، ولا يستطيع.

لا عجب من لعبة التطاول على الإسلام والتهكم على المسلمين، لا سيما ألاعيب كثير من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، كثيرون فعلوها، وكثيرون سيفعلونها.

العالم الجليل الشيخ محمد متولي الشعراوي- رحمه الله- ليس فقط هو المقصود من نيران هؤلاء الموتورين، داخليًا وخارجيًا، بقدر ما هي حملة ممنهجة ومنظمة وشرسة، وقادرة على تغيير جلدها حسب مقتضيات الظرف- كما سنكشف بعد سطور- ضد الدين عمومًا والإسلام خاصة.

لقد فشلوا بجدارة في الطعن في القرآن العظيم، وفشلوا بمهارة في النيل من شخصية رسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وملائكته، وها هم الآن يخططون وينفذون لتشويه علماء الإسلام، ورموز الأمة وقادة الفكر في عالمنا العربي والإسلامي، من خلال كم هائل من الأبواق التي تقذف حممها البركانية المعادية لشخصية الإنسان العربي خاصة، والمسلم عموما، وتمارس جلدها جلدا مشحونا بالسادية، والحقد الدفين، والقهر المبين، لمحاولة النيل من قيمتها وقامتها، وصلت إلى كثير ممن يسوقونها تسويقا بشعا، من كتائب إلكترونية، إلى كميات من الذباب الإلكتروني، وصولا إلى النفايات التي تفتح لهم أبوابها وأبواقها وأحقادها.

 كثيرة هي التحديات الخارجية، وكثيرة هي محاولات الهدم الداخلي، من أراذلنا بادي الفكر، ضعاف النفوس، جلادي الذات، خدم «حقيقة المؤامرة» وليس «نظرية المؤامرة» كما تنبه لذلك أصحاب الأقلام ذات المسحة التنويرية  الحقيقية في التصدي للدعوات الانهزامية.

مؤخرًا أصاب أوروبا وأمريكا رعب شديد من عودة قوة الإسلام، عندما نبَّههم بعض الباحثين الغربيين أن «الإسلام سيكون خلال أقل من نصف قرن متمكنًا من بلادهم» فأسرعوا لمواجهة انتشاره، قبل أن يستفحل أمره ويشتد، فيستحيل عليهم إيقاف مده، فقامت «مؤسسة راند» الأمريكية، ووضعت خطة لنشر صورة إسلام بديل، يحقق مصالحهم الاستراتيجية، فأسسوا مراكز بحثية مدعومة، ونظموا مؤتمرات ممولة، عن الإسلام والإصلاح، وجندوا صبيانهم بالتعاون مع «مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز» و«مركز دراسات الإسلام والديمقراطية و«منبر الحوار الإسلامي» وغيرها.

وكلهم يسعون بكل الطرق والوسائل، إلى تحقيق هدفين:

الأول:«الاستغناء عن السنة النبوية»، والثاني: «إعداد تفسير للقرآن تفسيرًا عصريًا»؛ بل وصل الأمر بهم، أن نشروا على العالم ما أسموه بـ«الفرقان الجديد»! وطبعوا منه ملايين النسخ بإشراف وعناية من (البيت الأبيض- الأسود) يتخذ شكل السور القرآنية وعناوينها وآياتها!.

وكلما نظموا مؤتمرًا منحوا جوائزهم، ذات الغواية المالية والبريق المادي، لمن يشككون بحقيقة القدس ومكانتها في الإسلام، وأن المسجد الأقصي ليس هو الموجود الآن في فلسطين، وبالتالي ينفون حقيقة الإسراء والمعراج، وأيضاً لمن يؤلفون كتبا تحلل كثيرا من المحرمات، ويطبعونها لهم، ومعهم من يخدشون الثوابت والأصول والمرجعيات، وهم لا يفقهون مثقال ذرة في الفكر الإسلامي.

المفارقة، أنه بعد انتزاع هذه الأقنعة، أدركوا أن الخصوم التقليديين لنا في الإعلام والفن والبحث والثقافة والمعارف، ينتقدون الإسلام بلا وعي أو منهجية، فأدركوا أنهم ساقطون، فغيّروا من استراتيجيتهم، فدعموا أشخاصًا آخرين ومؤسسات جديدة، وخصصوا لهم مساحات هائلة في الميديا، وحتى يقطعوا الطريق على من يحاول أن يكشف ويحذر ويفضح، حقيقة مخططاتهم الخبيثة، أطلقوا عبارة «نظرية المؤامرة» لتكون هذه العبارة- ذات المآرب الأخرى- حاجزًا يمنع كل من يحاول فضح مخططاتهم، لذلك يصفونه بأنه «ذو عقلية ساذجة» و«تفكير سطحي» و«نظرة قاصرة» و«رجعي متخلف» فصارت هذه العبارات أساليب سُخرية، وانتقاص ممن يتكلم حول هذه الخطط وأهلها.

وكل حين وآخر، تتشكل جبهات، لا حصر لها، في أوروبا وأمريكا، للوقوف في وجه المد الديني في مختلف أنحاء العالم، ونشرت إحدى الصحف الأوروبية ذلك، تحت عنوان «الحملة الصليبية للمحفل الأكبر» وقد ورد في الخبر أن محفل الشرق الكبير الماسوني، سينظم اجتماعات ومؤتمرات ومسيرات، لحماية العلمانية أمام تطور الحركات الإسلامية، واختزلت الإشكالية في السؤال غير المتحضر: دين أو لا دين؟ ويتحركون استنادا على ماصرح به «بيير راغاشي» الذي يقال إنه «الأستاذ الأعظم للمحفل الماسوني» بأن العلمانية والليبرالية، تتعرضان لهجوم مكثف من قبل الأديان(!!) وأنه تقرر تشكيل الجبهة العلمانية ضد الجبهة الدينية، وهذه الجبهة العلمانية تتشكل من بعض الاشتراكيين، واللادينيين، ومؤيدي الفكر الإلحادي، والماسونيين، وقادة «نوادي الروتاري والليونز» وما شابهها! ولعلكم تتذكرون مستشار الكاوبوي الأمريكي «ترامب» وهو يقول بالحرف الواحد: «الإسلام سرطان خبيث في جسد ملياري مليون إنسان على كوكب الأرض، ويجب استئصاله، كما فعلنا مع الشيوعية والنازية...» هكذا بلا حياء أو خجل، يثرثر هذا المخلوق الأعجوبة! مع أنهم هم السرطان الذي يزحف في شرايين العالم، منذ المائتي سنة الأخيرة، وهي كل تاريخ وجودهم، وهم يفقهون ذلك!

قبل فترة، وقعت مجلة « تايم» الأمريكية في سقطة مدمرة مشابهة؛ حيث نشرت في طبعتها «الآسيوية» تحقيقاً عن القدس في عصر نبي الله عيسى، وضمنته صورة ساخرة لسيدنا «محمد» وهو يتلقى الوحي من سيدنا «جبريل» عليهما السلام! وغضب الكثير من المسلمين، الأمر الذي أجبر رئيس تحريرها على الاعتذار مبررًا بأن ذلك ليس «إهانة متعمدة للمسلمين». والقائمة تطول من قبل السفهاء المتطاولين، ومنهم من يتم تسويقهم في إعلامنا العربي والإسلامي الذي ما هو إلا مجرد «أضغاث إعلام» ومن أشهر الذين يروجون لهم، الأمريكي «صمويئل هنتجتون» و«فوكوياما»، وغيرهما من الذين يؤسسون بأفكارهم، للعبة الدين والديناميت.