أنا و"شاهين"

 

يمنى جمال فودة

لم يكن صباحاً عادياً؛ فالتوجس والترقب يملأ النفوس، لم تتوقف الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحذر وتناشد ...، رغم أنَّها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها السلطنة مثل تلك الأجواء المناخية، فهي على عهد قلَّما يخلف وعده.

لم يطل الانتظار حتى تلبدت السماء بالغيوم، واختفت الشمس خلف سحب سوداء كثيفة، وهبَّت ريح عاتية، ونزلت الأمطار تصب الماء صباً، وأغدقت السماء بمزنها وجادت بمائها، وعصفت الريح وثارت وتدفق السيل.

لفت الجبال والهضاب أردية سوداء من الضباب والسحاب، وراح البرق يشق السماء شقاً، ثم انفجرت السماء بأمطار غزار سالت بها الأودية وعجزت عن حجزها السدود.

شعرت بالخوف والقلق وأنا أرى بعض أشجار النخيل الساقطة والجذوع المتهافتة، والأغصان المتناثرة والأزهار المبعثرة كأنها أطلال، حتى العصافير كانت تنتفض من شدة البرد بللها القطر، وسمعت لها تغريداً شجياً أقرب للأنين والبكاء منه إلى الفرح والغناء.

ازدادت العاصفة حدة وقوة، عندما هطل المطر، وشق في الأرض أفلاجاً تتدفق ملتوية تجرف كل ما يعترض طريقها، استمرت هذه العاصفة يوماً كاملاً من مشرق شمسه حتى أفولها، وقد تهون الأرض إلا موضع، ويهون العمر إلا ساعة.

تمر ولا تضر هكذا كان لسان الحال يترجم ما يعلو الوجوه من وجم، وهي تتفحص آثار تلك الأجواء المناخية، التي لم يسلم منها حجر ولا شجر ولا بشر، ولم تكن مدرستي بمنأى عن تلك الأضرار.

لم أكن أصدق ما أرى؛ أهذه هي مدرستي؟! ومال جدرانها غطاها الماء بعد أن كانت تتزيّن بالرّسوم الجميلة والكثير من المعلومات الثقافية والأدبية والرياضية؟!

تسمرت عيناي عند جثة الشجرة الممتدة على مرمى بصري حطمت الرياح جذعها، وماذا أصاب حديقة مدرستنا ذات الأشجار الجميلة والأزهار الرائعة التي تضفي على المكان لمسة جمالية ساحرة، هاهي الآن بقايا أطلال؛ اقتلعت الأشجار، وتناثرت الأزهار، وتهدم الجدار، وغرقت في مياه الأمطار!!

 

لكن لا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي، فللوطن علينا حق دونه التضحية بالنفس، وليس أقل من أن نمد يد العون، ونشمر عن ساعد الجد، ونبادر إلى إصلاح ما أفسده الدهر، وهذا شأن كل مخلص لوطنه، تكاتف الجميع من أجل إعادة إعمار مدرستنا، وإعادتها لما كانت عليه قبل الإعصار ـ إن لم يكن أجمل ـ وليس شيء أمام الإرادة بمستحيل.

أسرعت للانضمام لقوافل المتطوعين من طلاب المدرسة وغيرهم من الشباب في مختلف الأعمار، وبدأ العمل على قدم وساق لا نمل ولا نكل، حتى بدأت ثمرة جهدنا تلوح أمام أعيننا، وإذا بالمدرسة تستعيد صورتها الأولى شيئاً فشيئاً، والبسمة تعلو الوجوه التي تصبب منها العرق، والعزيمة تملأ القلوب التي تنبض بحب الوطن، وما كادت شمس اليوم تغيب حتى أسدل الستار على آثار الإعصار، وعادت مدرستنا جميلة نظيفة مشرقة بفضل سواعد المخلصين من المتطوعين من أبناء شعبنا الأصيل، وهذا خير دليل على مدى وعي وثقافة وإنسانية العُمانيين الذين لم تثنهم المحن عن القيام بواجبهم، فالكل يعمل كخلية نحل.

كيف لا؟ إنه واجب وطني وإنساني ضرب فيه كل فرد بسهم، فليشهد التاريخ على خطى ونهج أبناء عُمان، وما يتحلون به من القيم الإنسانية المفعمة بحب الوطن والتضحية، وما "شاهين" إلا صفحة في كتاب أمجاد عمان عبر الزمان.

تعليق عبر الفيس بوك