أنت عالمٌ من كائنات حية!

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

إذا كنت ممن يشعرون بالوحدة بشكل دائم، تذكر المعلومة التالية "هناك تريليونات الكائنات غير البشرية تعيش معك وفيك في حِلك وترحالك، تقطن على جلدك وداخل جسدك، ولو جمعت الخلايا الأجنبية التي تعيش على جسدك لفاق عددها على خلايا جسدك"!

بعد أن تبين للإنسان أن هناك عالما مخفيا عنه لا يراه بعينه ولا يدركه بحواسه، فهناك من الكائنات المجهرية ما لا يعلمه إلا الله، تبين له أيضًا أن جسمه نظام بيئي وحيوي معقد!.

فقبل عدة عقود كنَّا نظن أننا نخلو من وجود الميكروبات في أجسادنا أو أن هناك عددًا مُحددًا منها في حال كنا في وضع صحي جيد، وأن هذه الميكروبات عندما تغزو أجسامنا فإنها تسبب لنا الأمراض، لكن تبين لنا أن ذلك غير صحيح، فالدم مثلا يحوي وتقطن فيه كم هائل من الميكروبات، وهكذا الحال مع القلب والكبد بل وحتى الدماغ الذي يصعب عادة اختراقه تقطن فيه هذه الميكروبات ويقدر البعض بأن هناك ما يعادل من 200 صنف من الميكروبات تتواجد في الدماغ وتتخذه مأوى لها، لكن أغلب هذه الميكروبات تتواجد على جلد الإنسان وفي جهازه الهضمي، ولا تحسبن أن عدد هذه الميكروبات بالآلاف فلقد تبين لنا أن أجسامنا تشبه الغابة، اذ تحتوي على عدد مهول من خلايا لكائنات حية أجنبية عنا يبلغ عددها تريليونات الخلايا، فمجموع هذه الخلايا الأجنبية يفوق عدد خلايا أجسامنا وهي تغطي جميع أجزاء أجسامنا!

إنَّ هذه الكائنات التي نُطلق عليها الميكروبات تعيش في أجسادنا وتقيم علاقات مع نظمنا البيولوجية على أساس المصالح المشتركة، فالبكتريا المتواجد في جهازنا الهضمي مثلًا تساعدنا على هضم الأطعمة التي نتناولها لكن الغريب أن بعضها يساعدنا في القضاء على البكتريا الأخرى الضارة ولذا فمن المهم الحفاظ عليها وقد يكون السبب في شعورك ببعض الانزعاج عند تناول المضادات الحيوية أن النظام الحيوي الموجود في معدتك يتأثر بهذه المضادات ويخل بتوازن القوى فيه، مما يؤثر ذلك سلبًا عليك، ولكن لا تظن أن هذه البكتيريا التي تقف في صفك ضد عدوك أنَّ ذلك تفضل منها؛ بل لأنها تريد أن تحافظ على نفسها فتعمل على الحفاظ على جسمك سليمًا معافى، ولذلك فهي لا تمانع أن تلحق بك أشد الضرر إن تطلبت مصلحتها ذلك فهي لا تكترث بنا ولا تحفظ لنا كرم الضيافة ولا قدم الصحبة، فقد تتحول إلى عدو شرس ونعيش معها في صراع طويل ومرير قد يقضي علينا.

فمثلا لو أن هذه البكتيريا والتي تعيش متكافلة مع أجسامنا وتدافع عنا في حربنا مع البكتريا الضارة، إذا وجدت ضعفًا في جهاز المناعة فإنها لن تتردد في استغلال ذلك الضعف، وربما تحاول أن تدخل في صراع مع خلايا جهاز المناعة وتنتشر في أجسادنا انتشارًا كبيرًا، وسوف يؤدي ذلك إلى استهلاك موارد وطاقة الجسم وربما يؤدي إلى موت الإنسان في نهاية الأمر.

ولا يقتصر تأثير هذه الميكروبات على الصحة البدنية للإنسان، فهناك دراسات تشير وبوضوح الى أن بعض الأمراض كمرض الزهري مثلًا وهو مرض بكتيري ينتقل عبر الاتصال الجنسي، وفي حال إهمال الإصابة وعدم تناول المضادات الحيوية المناسبة فإنه ومع مرور بعض الوقت وبعد عدة سنوات من الإصابة بالعدوى فإنه يمكن للبكتيريا المسببة للمرض أن تغزو الجهاز العصبي للإنسان وتسبب تغييرًا في شخصية الإنسان وسلوكه؛ بل وحتى عواطفه وتوجهاته الفكرية، وعندما نعود إلى سجلات مرضى الطب النفسي في أوروبا وقبل استخدام المضادات الحيوية لمعالجة هذا المرض لوحظ أن عددا كبيرًا من هؤلاء المرضى في المراكز المخصصة في أوروبا كانوا مصابين بمرض الزهري وأن البكتيريا ومع مرور الوقت أثرت في شخصياتهم وسلوكهم؟

بل إن هناك عددًا من المؤشرات العلمية التي تشير إلى أن هناك ارتباطًا مُحكمًا بين هذه الميكروبات وبين أمزجتنا؛ بل وأيضًا على القرارات التي يتخذها الإنسان، فلقد أشارت بعض الدراسات بأن بعض أنواع الميكروبات المتواجدة في المعدة يرتبط تواجدها وتركيزها بحالة القلق عند الإنسان ولكن لا يعرف هل هذا الربط بين تواجد هذه الميكروبات وحالة القلق عند الإنسان هي علاقة سببية أم مجرد تلازم بينهما.

لذلك إذا وجدت تغيرًا سلبيًا في حالتك النفسية؛ كشعورك بالقلق أو الضيق مثلًا، فربما عليك أن تتناول بعض الأطعمة الصحية المفيدة فقد يتحسن مزاجك بعد أن تغذي الشعب الذي يستوطن جهازك الهضمي!

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

مصادر المادة العلمية:

  • Nicklas Brendborg‏, Jellyfish Age Backwards: Nature's Secrets to Longevity

 

  • Alanna Collen, 10% Human: How your body’s Microbes hold the key to health and happiness

الأكثر قراءة