فكِّر.. خطِّط.. نفِّذ

 

 

سالم البادي (أبومعن)

 

الاهتمام بالفكر والتخطيط السليم والتنفيذ الصحيح، واحد من أبرز الموضوعات التي ينبغي أن نطرحها دائمًا على طاولة النقاش؛ فعملية البناء والتنمية وما يتبعها من مشاريع تنموية إن لم يسبقها أفكار جيدة وتخطيط متطور وتنفيذ صحيح ودقيق وبمعايير وأهداف وأسس صحيحه ستصبح نتيجتها ضربًا من العبث والعشوائية وضياعا للوقت وهدرا للجهد والمال، وستعم الفوضى والتخبط، وسيصبح تحقيق الطموحات والآمال بعيد المنال.

وأحد أبرز أركان بناء الأمم وتقدمها وتطورها هو "العلم" فبه تُبنى الأمم وتتقدم وتتطور، قال الله تعالى: "يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (المجادلة).

وإن نهضة الشعوب تنبع من مستواها الثقافي والعلمي، لأن العلم أساس المعرفة والرقي والتطور ويساعد الشعوب على النهوض ومواكبة التقدم والازدهار. وتنمية البلاد ونهضتها تتطور بتطور فكر شعبها ونجاح خططها التنموية المستقبلية وتنفيذها الجيد المبني على أسس علمية وتقنيات حديثة متطورة للوصول إلى تحقيق إنجازاتها على أرض الواقع.

وأهم وظيفة للتخطيط على مستوى القيادات العليا أو في الإدارة والعمل المؤسسي بشكل عام، أنها البناء الذي يرتكز عليه العمل؛ لذا فإن مهمة التخطيط ليست سهلة بتاتا، واختيار الكفاءات المؤهلة لها أيضا ليس مهمة سهلة البتة، لأنَّ الاختيار لابد أن يأتي وفق معايير ومقاييس علمية ومهنية وعملية والتي تأتي بين مجموعة بدائل يتم من خلالها ترشيح من تنطبق عليه هذه المعايير والعناصر الأساسية.

ومن هذه المعايير الإلمام الكافي بعملية التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له، والتحلي ببعد النظر الذي يتجلى في القدرة على التحضير لدراسة وإعداد الخطة المستقبلية المناسبة.

فضلاً عن التخطيط الذي يقوم على عملية التفكير في المقام الأول، والتقديرات والتوقعات والتنبؤ بالمتغيرات المستقبلية، ووضع الخطط، وكيفية التأقلم مع الظروف والمتغيرات.

علاوة على أن "التخطيط" هو الأسلوب العلمي المتطور الذي يعتمد على حصر الموارد البشرية والمادية وكيفية استخدامها بطرق علمية وعملية وإنسانية لسد احتياجات المؤسسات والهيئات والجهات المختلفة.

 وفي عصرنا الحديث هذا لم تعد قوة الشعوب تقاس بعدد سكانها أو مساحتها أو ماضيها وتاريخها بقدر ما تقاس بقدرتهم على إنتاج الفكر المبدع والابتكار العلمي والتقني، فالقوة الفكرية للشعوب هي القوة الحقيقية لبقائها واستمراريتها وتطورها، وهي القادرة على بناء أوطانها والحفاظ على منجزاتها ومكتسباتها، والتجربة الصينية واليابانية والكورية والسنغافورية والماليزية ليست عنا ببعيدة، وهي خير دليل وبرهان.

لذا فإن مستقبل أي دولة لا يأتي جزافًا، ولا يأتي وفق الرّغبات والتطلعات والاجتهادات الشخصية البتة؛ بل يأتي بتقدم شعبها وتطوره واستقراره وبناء منظومته العلمية الثقافية والفكرية وغيرها.

 

إن لم يكن لدى أي شعب كفاءات وطنية تتحلى بأفكار سديدة وتخطيط جيد وتنفيذ صحيح، فإنها لن تستطيع أن تصبح قادرة على بناء وطنها، ولن تتقدم خطوة واحدة نحو الأمام، وستعيش تحت وطأة التخلف ورحمة الأزمات العالمية والديون المتراكمة.

ولا ريب أن هذا ينطبق كذلك على أي مشروع تنموي إن لم تسبقه أفكار سديدة وتخطيط جيد وتنفيذ صحيح، فإنّه سيكون كذاك البدويّ الذي دخل المسجد وترك ناقته سائبة (من غير أن يربطها)، ولمّا سأله النّبي: ماذا فعلتَ بناقتك؟ قال له: تركتها عند الباب وتوكّلتُ على الله. فقال له النّبي: "اعقلها وتوكّل".

التوكّل على الله في أمور المستقبل ليس معناه أن نترك الأمور كما هي سائبة أو أن نترك الحبل على الغارب، بل معناه أن تكون قد فكرت جيداً وخطّطتَ للمستقبل جيدا ونفذت صحيحا، وإلّا قد ضِعتَ وضاعت ناقتك!

إن البناء والإعمار والتنمية عملية صعبة جدًا، ألا أن الهدم والتدمير سهل جدًا؛ فالمنجزات التي تحققت من طرق ومنشآت حكومية خدمية وبنى تحتية ومدن في مختلف القطاعات ليست وليدة اللحظة؛ بل عمل عشرات السنين، بالتالي يمكن هدمها في لحظات. كذلك ما يبنى من الأخلاق والقيم والمبادئ والمثل في قرون يمكن هدمه في أيام وليالٍ معدودة.

فإن كان هناك ألف بنّاء، وخلفهم هادم أو مدمر واحد هل سيستقيم ويصمد البناء؟ بطبيعة الحال لن يصمد البناء!!، فكيف لو كان الباني واحدًا والهادم ألفًا؟

وهناك وسائل متنوعة وفي غالبها تهدم، كما هو الحال لمجتمعات في بعض أفرادها تسعى للهدم والتدمير، ومثل هؤلاء مصيرهم إلى الزوال، فالحق دائما يعلو ولا يعلى عليه.

فهل يستقيم الظل والعود أعوج.

وكما قال الشاعر:

أعمى يقود بصيرا لا أبا لكم

قد ضل من كانت العميان تهديه

إن التنمية المستدامة الناجحة تتطلب أفكارًا مميزة نيرة مبتكرة وغير تقليدية، وتخطيطًا جيدًا مع ضرورة اختيار الكفاءات المؤهلة، تليها مرحلة التنفيذ السليم الصائب.

كما إن كثرة الخطط التي لا تغني ولا تسمن من جوع وتكون مضيعة للمال والوقت والجهد، يجب التقليل منها قدر الإمكان، ولتحقيق أفضل الخطط واستثمارها الاستثمار الصحيح والاستفادة منها لرفد الاقتصاد الوطني لابد من استهداف ما يمكن تحقيقه من مشاريع تنموية وسياحية واقتصادية وغيرها.

ليس المسؤولون عن التخطيط هم من يخططون للفشل، ولكنهم يفشلون في التخطيط؛ حيث يُعد المسؤول الفاشل هو الذي يفتقر للكثير من المهارات والمميزات ومنها التسلح بالعلم والمعرفة والثقافة وتطوير الذات التي تنعكس إيجابًا على بيئة العمل ويجعلها ناجحة وذات أهداف صحيحة.

وكما هو معلوم أن من أسباب نجاح الخطط التنموية المستقبلية في بعض الدول هو توفر العقول المفكرة المتسلحة بالعلم والمعرفة ولديها الوعي الكامل لإعداد خطط تنموية مستقبلية مستدامة جيدة وتنفيذا صحيحا ودقيقا.

وقضاء وقت طويل في التخطيط بأفكار وأهداف ورؤى واضحة لهو أنجع وأفضل نتيجة من قضاء وقت قصير دون فكر ورؤية وهدف، وتكون نتيجته أموالا وأوقاتا وجهودا مهدرة، من الأولى أن يستفيد منها الوطن والمواطن.

لذا فإن التخطيط للمستقبل يتطلّب الوعي والإدراك للأمور التالية ومنها: الواقعيّة، وعدم الذهاب بالخيال الواسع بعيدًا؛ بل البقاء على ارتباط بالواقع هو الأفضل، والتخطيط من خلاله، بدراسة الواقع جيِّدًا ومعرفة مقدراته وإمكانياته وتحدياته وممكنات العمل فيه. وتحديد الأولويات، من خلال تقديم الأهم على المهم هو من أساسيات تحديد الأولويات أثناء التخطيط للأهداف المرجوة. والثبات والاستمراريّة؛ إذ لا بُد من توفر النفس الطويل في عملية تنفيذ الخطط، وإثبات مدى نجاحها وجودتها حتى تخرج مخرجاتها بشكل أفضل. والكفاءة، وهي أساس في التخطيط والأداء الذي يأتي بنتائج مرجوة وإيجابية. ووضوح الرؤية والهدف؛ حيث يمثل ذلك عاملًا مهمًا وأساسيًا. وكذلك توفر الموارد المالية؛ إذ إن توفير المال الكافي لأي خطة متكاملة ضرورية للمستقبل. والموارد البشرية: فمن الأهمية بمكان اختيار الفريق البشري المؤهل المناسب لبيئة العمل لإنجاح أي خطة متكاملة.

والتخطيط للأهداف وتنفيذ الخطط بشكل مدروس وناجح، ومراجعة تحقق الإنجازات، وقياس الإنجاز ونسبة معدل النجاح المحقق، والتعلم والاستفادة من نقاط الضعف وتحسينها وتطويرها... هذا وغيره من أسس بناء الأوطان.

إن المال والتخطيط السليم عنصران متلازمان، إذا وجد الفكر المستنير والتنفيذ الصحيح بلا شك ستكون نتيجته النجاح المحقق.

فالتوظيف السليم للأموال يأتي عبر الأفكار المبتكرة من خلال الاختيار الصحيح للكفاءات العلمية والمهنية القادرة على البذل والعطاء ولديها الخبرات والإمكانيات التي تؤهلها بأن تقوم بعملية دراسة وإعداد الخطط التنموية المستقبلية والاستثمارية وفق المعطيات والمستجدات والتحولات على أرض الواقع، مع متابعة وجودة التنفيذ السليم الذي يحقق طموحات وآمال المواطن.