أمانة الكاتب ومسؤوليته المجتمعية

 

سالم البادي (أبو معن)

في مقالنا هذا، سنُسلط الضوء على مهنة عظيمة، وخطيرة في نفس الوقت، وتعد سلاحًا ذا حدين؛ سواءً في الخير أو في الشر، وعملة ذات وجهين، ألا وهي الكتابة أو الكلمة؛ فالكتابة أو الكلمة إما أن تكون بنَّاءة ومفيدة، أو هدَّامة وضارة، وفي الكتابات يظهر تأثير الكلمة، فبعض الكتابات تقلب الحق باطلاً، والباطل حقًّا!

ولا شك أنَّ الكتابة؛ سواءً كانت صحفية أو أدبية، تختلف عن بقية مجالات العمل الأخرى؛ كونها تحمل رسالة سامية قبل أن تكون مهنة، ودورها لا يتوقف عند مجرد أداء وظيفة اجتماعية أو ممارسة لهواية ثقيفية؛ بل يمتد أثرها لأبعد من ذلك بكثير، من حيث تأثيرها في الفرد والمجتمع وتنمية الوعي ومُساهمتها في بناء المجتمعات. والكتابة مؤشر مُهم على رقي الأمم ومستواها الحضاري؛ بل أصبحت مقياسًا ومعيارًا عالميًا في معدل الحريات في الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية.

أصبحت الأقلام كالشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين دروبهم، وهمزة وصل بين المواطن والحكومة.

وهنا تساؤل: هل الكتابة موهبة فطرية؟ أم أنها مهارات ذاتية تنتُج عن التوسع في القراءات المختلفة والممارسة المستمرة؟

إنَّ الكتابة عبارة عن أفكار وآراء في عقول أصحابها يتم إخراجها وبلورتها في صورة عبارات وفقرات مكتوبة بأسلوب ونمط، يختلف من كاتب لآخر.

ولا شك أنَّ القراءة وحب الاطلاع هما المحفزان على الكتابة، فنادرًا ما تجد كاتبًا دون أن يكون قارئًا نهمًا ومُطّلعًا حاذقًا، وإلى جانب القراءة لا بُد للكاتب أن يكون لديه ثقافة ومعرفة مجتمعية تؤهله للكتابة، فضلًا عن أن تكون لديه رسالة لإيصالها للفئات أو الأفراد أو الجهات المستهدفة، وبالتأكيد هي أمانة يتحملها الكاتب.

فطوبى للكاتب الذي قال كلمة حق، وأمسك عن كلمة باطل، فرُبَّ كلمة حق رفعت صاحبها إلى أعلى الدرجات، ورُبَّ كلمة باطل، هوت بصاحبها إلى أسفل الدرجات؛ فالكتابه نوّرت عقولًا، وسمت بنفوس، وتقدّمت بشعوب. فكم من أمم تفرّقت ودُمرت، وحروب اشتعلت وما انطفأت، بسبب كلمة أو كتابة؟!

وفي المقابل كم من شعوب اتّحدت، وتطورت فتقدمت، وقلوب تقاربت فتآلفت، وصدور انشرحت، بسبب كلمة أو كتاب أو خبر أو مقال؟!

الكلمة الطيبة، كمثل الشجرة المُثمرة النافعة، والكلمة الخبيثة كالمرض المعدي الفاتك القاتل.

ثمَّة كتَّاب يحترمون عقول القراء، رأسمالهم الصدق والإخلاص، مهنيون بكل ما تحمل الكلمة من معنى، واضحون كسطوع الشمس في كبد السماء، مقصدُهم إرضاء الله أولاً ثم إيصال رسالتهم بكل صدق وإخلاص، إن قالوا تسمع لهم، وإن كتبوا تقرأ لهم، وإن حللوا تقنع بما يقولون، هؤلاء الكتاب لا يكبرون بالكتابة؛ بل الكتابة تكبُر بهم، لأنهم أصبحوا بمصداقيتهم سلطةً يُحسب لها حسابها، ولها تأثيرها في المجتمع.

الكلمه أمانة، والقلم أمانة، والكتابة أمانة،.. فالقلم والكلمة أمرٌ عظيمٌ، أقسم بهما رب العالمين، لعظم أهميتهما حيث قال سبحانه وتعالى ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ صدق الله العظيم، والقلم أداة الفكر والعلم، ومعول المعرفة والثقافة، ومفتاح الحضارة والبناء والإنجاز.

وتقع على عاتق الكاتب مسؤولية كبيرة إذ يعدّ العامل والمؤثر الأول والمباشر في حياة الأفراد والمجتمعات بسبب ما يخطه مداد قلمه من أفكار وأخبار، لذا يتطلب ذلك منه الشفافية التامة والمصداقية والأمانة والنزاهة والحيادية والاحترافية المهنية والفنية في الكتابة عند مزاولتها.

وكون مهنة الكتابة تندرج تحت مظلة وسائل الإعلام الحر؛ المقروء والمسموع والمرئي، وعلى اعتبار أن الصحافة تمثل السلطة الرابعة في المجتمع؛ إذ تتحمل المساهمة والمشاركة في مسؤولية وطنية ومجتمعية حول تسليط الأقلام في مكافحة الفساد بجميع أشكاله وبالتالي فهي تشكل سلطة شعبية تُعبر عن ضمير المجتمع، وتحافظ على مصالحه ومكتسابته الوطنية.

وهنا نعرج على بعض الواجبات التي يجب أن يتحلى بها الكاتب، منها أنه يجب على الكاتب أن يبني الأفكار حول الموضوع المستهدف قبل الكتابة، واستشعار المسؤولية والمصداقية والأمانة ومراقبة الذات، ومراعاة العقلانية والمنطق أثناء التحليل والاستنباط، كما إن الابتكار الفكري والثقافي يساعد على التميز في الكتابة، مع الاعتماد على ما هو صحيح وواقعي وحيادي من معلومات، وتبسيط الأفكار المعقدة في الذهن، لأنَّ البساطة في الكتابة فن في حد ذاته، واستخدام لغة واضحة وسهلة لتسهيل وصول المعلومة للقارئ، وتوسيع مدارك الكاتب من خلال تكثيف القراءة والاطلاع؛ لأنَّ القراءة تنمّي الذاكرة وتزيد من المخزون الفكري للكاتب، إلى جانب تحديد رسالة هادفة ومحتوى مفيد ليُصبح ذا قيمة مضافة للقراء، وكذلك تسليط الضوء على مواضيع وقضايا تمس حياة المواطن وتفيد الوطن، مع الحرص على تقديم حلول أو مقترحات للمواضيع والقضايا المطروحة، واختيار الوقت المناسب والمكان المناسب للكتابة، والابتعاد عن استخدام الكلمات والمفردات الجارحة والألفاظ النابية، والحفاظ على القيم الأخلاقية والمبادئ الفاضلة التي يتسم بها المجتمع.

وأخيرًا نقول إنَّ الكلمة مثل الرصاصة إذا خرجت لن تعود، وصاحبها هو مالكها وهي أسيرته قبل أن ينطق بها أو يكتبها، فإذا قالها أو كتبها أصبح هو أسيرها وهي تملكه، لذلك لا بُد من الدقة والحرص والتركيز في كل كلمة تُكتب، "وإن الرجل يقول الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا تهوي به سبعين خريفًا في نار جهنم".

الكلمة التي توحدنا أفضل من الكلمة التي تفرقنا، والقيمة الحقيقية للكتابة تتمثل في تمكين وزيادة الإنتاج الفكري والثقافي والتاريخي والحضاري والوعي المجتمعي لدى المواطن.

وما من كاتب إلا سيفنى // ويبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفِّك غيرَ شيء // يسرك في القيامة أن تراه