ما بين الدوحة والرباط.. حضارة تُكتب

 

عيسى الغساني

بعد 530 عامًا، يتوقد ذهن الشرق، ليستعيد ومضات ونبضات من فكر ابن رشد، فيكون حدث بمثابة طفرة فكرية، إرهاص تداعى وسيتداعى في مقبل السنين. وتجلى هذان الحدثان في استضافة الدوحة لحدث كأس العالم باقتدار تنظيمي، باستخدام أفضل وأرفع مناهج التنظيم، ليس هذا فحسب بل تفوقت الدوحة بدمج القيم الإنسانية الرفيعة حسن التعامل، وزرع روح السلام والتآلف بين كل شعوب الأرض سواء من حضر الحدث أو من تابعه على وسائل الإعلام المتعددة بكل أشكالها وأطيافها.

والحدث الآخر هو انطلاق أسود الأطلسي نحو المربع الذهبي، فكُرة القدم هي بالفعل رياضة ومنافسة شريفة، لكن بداخلها فكر وروح التفوق والانتصار، والذي غاب عن الشرق لقرون عدة، وإعادة الفريق المغربي إلى عقل ووجدان العقل الباطن لإنسان المشرق، رسالة من أحرف وكلمات نصها "أنت قادر وتستطيع أن تتجاوز حاجز الشك وتنتصر وتبتكر".

تنظيم الحدث الأممي الأهم والأبرز وهو كأس العالم، رقم 22 في سنة 2022، في مكان وزمان جدير بإلقاء الضوء عليه من عدة زوايا، الاستقطاب والتنظيم وقدرة المنظم وروعة التنظيم. فما جرى بحق من صنع فكرة الاستضافة، وتحققها، والدفاع عن استحقاقها، ووثوب الدوحة إلى قمة هرم التفوق من تخطيط، تنظيم، تنفيذ ابتداءً من بدء الحدث إلى ختامه، وعزفت الدوحة سيمفونية خلود متناغمة متجانسة، استوجبت واستحقت الإجلال والإشادة والاحترام من الجميع . وأصبحت نموذجا للسمو والرقي سيقتدي به من أراد التفوق على كل المستويات والصعد.

أما عن استقطاب وتنظيم كأس العالم بملف تنظيمي طموح ومنافسة الدولة الأهم وهي الدولة الإمبراطورية وهي الولايات المتحدة، فإنه يعبر عن الجرأة والصلابة والطموح المحسوب والمشروع، والذي تميز به الملف القطري، والجهد العلمي المنظم والمبدع والذي دفع به ودافع عنه الأمير الشاب، وفريق عمل مؤهل علميا وفكريا، واثق مدرك لقدارته، وكيفية إدارة النجاح، وليس الحديث إشادة بقدر ماهو تقدير واجب لمقدار وحجم التفوق.

العلم والوعي والإرادة والقدرة على الإقناع، منح الملف القبول والموافقة، ولأن الحدث كبير والمنظم وضع نفسه في صف الكبار، كان الإعداد والتحضير يقتضي وعيا وفكرا وجهدا وإصرارا وإرادة، أثبت لنا بدء الحدث وروعة وجلال التنظيم والختام، قدرة قيادة واثقة، فكما أجل وأقر المحبون والمنصفون بتميز الأداء القطري من كل الزوايا والمستويات، زاوية الوعي، مستوى التخطيط والتنظيم والتنفيذ، فالدوحة كانت عاصمة الأرض منذ تدشين الحدث إلى وداعه، فكل الإجلال والثناء إلى قطر القيادة والإنسان والأرض، قدمتم حقًا نموذجًا حضاريًا رفيعًا.

أما عن الرباط فانطلاق أسود الأطلسي إلى المربع الذهبي، هو إعلان عودة الثقة في القدرات الخلاقة التي هي مقومات الإنسان الذي يبني الحضارة، فكما تميز تحقق تنظيم كأس العالم بجرأة الفكر المتوقد، تقدم منتخب المغرب بثقة واقتدار جعل الثناء واجبا.

الحدثان التنظيم والتفوق هما بمثابة طفرة أو تجاوز للزمن أو بمعنى آخر التقدم إلى مقدمة الركب الحضاري. وقد كان الشرق يومًا، منارة للفكر وإشراق روح الإنسانية، والمحبة والسلام، فهل كرة القدم إيذان بعودة الروح إلى عقل الشرق ليعود كما كان وقادا، صالحا، عادلا، يشع نوره وضياؤه على كوكب الأرض .

فالدوحة والرباط أيقونتان لجرأة الأمل وتحقق المستحيل، فلهما وعليهما التحية والسلام.