ذاكرة "جاتنا الحلوة"

 

حمود بن علي الطوقي

 

لم تكن مجرد حلوة؛ بل تعدت مراحل العشق لكي ننتظر الوصول إليها كل صباح ونحن متكدسون كأطفال في سيارة بيك أب مكشوفة تقلنا إلى مدرسة المتنبي واحدة من أعرق المدارس العمانية في السبعينيات من القرن الماضي.

مازالت (الحلوة) عالقت وراسخة في أذهاننا، بالأمس تذكرنا هذه الحلوة وكيف كنَّا ننتظر الوصول إليها ونحن نهتف بصوت واحد وبنبرة واحدة، جاتنا الحلوة جاتنا. كنَّا نكرر وننتظر أن نصل إليها بشوق وبلهف وكنَّا نستعد لملاقتها. بل كان سائق الحافلة المدرسية متحمس وهو يسمع أصواتنا بل إن صدى الأصوات كان يتردد مع الجبال الشاهقة مما يزيد حماسنا لملاقاتنا الحلوة التي تنتظرنا صباح كل يوم.

كانت الحلوة ثابتة في مكانها جامدة ورغم ثباتها وجمودها إلا أنها كانت جديرة أن نحييها بضحكاتنا البريئة.

فكلما اقتربنا منها كان الحماس يزداد للقياها وكانت أيادينا تتشابك خوفا من قوتها عند الوصول إليها.

جاتنا الحلوة ذاكرة طفولية جميلة وذاكرة الطفولة ستظل راسخة بكل تفاصيلها وتجلياتها.

عندما تذكرنا أنا ورفقاء الدراسة (الحلوة) فتحت لنا ذكريات أخرى لا تقل أهمية عن تلك التي رسخت في أذهاننا طوال هذه السنوات.

المعروف أن ذاكرة الطفولة تظل الأنقى والأصدق على الرغم من ترسبات الذكريات على مر مراحل العمر.

أعود إلى (الحلوة) التي قادتني إلى كتابة هذا المقال، فقد جاء ذكر الواقعة عندما كنَّا نتحدث في مجلس الأخ حمد بن عامر السناوي عند زيارته في منزله العامر، فقد ذكّرنا باحتفاليات مدرسة المتنبي بالعيد الوطني المجيد وكيف كنَّا كأطفال نشارك هذا الاحتفال السنوي الذي يوافق 18 من نوفمبر من كل عام في إلقاء القصائد الوطنية والمطارحات الشعرية وكذلك دور الفرقة المدرسية في العزف وغناء الأناشيد الوطنية.

أعود إلى (الحلوة) التي كنَّا نتغنى بها أثناء ذهابنا وعودتنا من المدرسة، فكانت سيارة "البيك أب" التي تنقلنا وتنطلق منذ الصباح الباكر من قريتنا السباخ وتمر إلى قرية سيح العافية ومنها تشق طريقها إلى مدرسة المتنبي وكانت تعبر في مسارها عبر الطرق غير المسفلتة، وكنا نصل إلى المدرسة وقد تبخرت ثيابنا من الغبار المتطاير.

وقبل وصولنا إلى المدرسة كانت تواجه السيارة منحدرا بسيطا يعقبه طلعة بسيطة وكانت هذه المساحة الصغيرة هي مصدر فرحتنا حيث أطلقنا على هذه النقطة بالتحديد (جاتنا الحلوة)؛ حيث كانت السيارة تتمايل محدثة حالة من الفرحة وكنَّا ننتظر هذه النقطة وتتعالى أصواتنا البريئة (جاتنا الحلوة جاتنا) فقد كانت هذه النقطة البسيطة التي تعبر فيها السيارة أثناء طريقها إلى المدرسة مصدر فرحتنا وعندما نتجاوز هذه النقطة نصفق بشدة تعبيرًا عن رضانا وفرحتنا. وكان الوالد حمدون الحبسي- رحمه الله- ينتظر هذه اللحظات ويتفاعل مع أصوات الأطفال باستخدام مهارة أثناء القيادة.

نعم هذه كانت هي الحلوة التي نتغنى بها. وأنا استحضر تلك الأحداث والوقائع والذكريات أرى كيف كانت الحياة بسيطة وتلقائية.

الآن وبعد مرور هذه السنوات تحول الشارع البسيط إلى شارع رئيسي وانتقلت مدرسة المتنبي إلى مكان آخر وحل محلها مدرسة سمية للبنات.

هكذا كانت حياتنا بسيطة وجميلة ستظل راسخة في أذهاننا. فهنيئا لهذا الجيل الذهبي الذي عاش مراحل النهضة المباركة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ويعيش حياة ملؤها التفوق والنجاح في عهد النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه.