"إذا جاء نصر الله والفتح"

 

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

 

هل رأيتم ظهور الفارس المُلثم وهو يُرسل حِمم كلماته قبل صواريخه لتصهر قلوب الصهاينة وتسوقهم إلى مخابئهم «كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة»؟! وهل رأيتم أنبل من المقاومة التي حولت الكفاف رزقًا غير منقطع والعفاف عزًا غير مصطنع والكرامة خبزًا مع "زيتونة لا شرقية ولا غربية"؟!

مكروا ولكن مكر الله زيَّن لبلفور جمع شتات اليهود لموعدٍ في مكان سواء وباتوا يحشرون ضحى ومساء فشتاتهم سيصعب مسألة اجتثاثهم والقادم سيحسم مسألة بقائهم والرعب وحده الذي يسكنهم بعد طلوع شمس القسام كفيل بأفول كوكبهم وهدم أركانهم على مزاعم هيكلهم.

ضاقت الأرض على المُقاومة من المنظور الضيق للصهاينة ولن تعي أذهانهم أن منظور الأحرار يسري إلى الأفق ويعرج إلى سعة السماء ليعود عليهم قاصفًا كهزمة جبريل وسقيا للصابرين، ولن نسأل كيف حولت المقاومة الفلسطينية المُهمل إلى المعمل وكيف يُبعث المارد من شُح الموارد، كيف يصبح السالب موجبًا والتُرب يقلب تبرا، إنها مسألة تجاوزت مشاريع إعادة التدوير بمراحل، ذلك لأنهم استمسكوا بالعروة الوثقى لقضيتهم وكفروا بالطاغوت "والله سميعٌ عليم"

يستنكف المسلم من وصفه بـ"الجبان"؛ حيث يضاعف الإسلام الحق قوة الرجل الواحد إلى مئة، بينما يرسل اليهودي الصهيوني مقاطع جبنه للعالم ولا يستحي من وصمِة العار ووصفهِ بالجبان، فقد اعتمدوا على إيجاد من يُدافع عنهم على الدوام وإذا ماشعروا بالخوف استصرخوا وانبطحوا وسلموا الرقاب فرادًا وقطعانا، ولكن من يدافع عنهم عند اشتداد الكرب سيقول "ما أنا بمصرخكم" والأم الفلسطينية الحرة تقول: ذلك الردم كان بيتي وأبنائي هم فداء، وفي سكينةٍ تحتسب وتوكل أمرها للعزيز الجبار ثم تبتسم وتمضي في هدوء.

إن مصالح سعد الدين كمشتكين جعلته يطلق سراح المجرم الفرنسي الخبيث رينولد دي شاتيون أو إرناط- كما يعرف في المراجع العربية- فصرخ صلاح الدين حالفًا غاضبًا "سأقتله بيدي" وكان دافعًا حاسمًا لتحرير بيت المقدس، فأظفره الله برأسه بعد معركة اليرموك فقطعه على مرأى الفرنسي جاي لوزينان حاكم مملكة بيت المقدس.

قد لا يختلف الأمر كثيرًا اليوم مع أصحاب المصالح ممن يبدون تعاطفهم وإنسانيتهم مع المحتل ولكن الأمور لا تجري كما يعتقدون؛ حيث غضبة الناصر مُزجت بالطين من مصر إلى قبر شُعيب وحطين وبماء طبرية لتعجن في طحين فلسطين، فتُنبِت مع شجر التين مجاهدين يسقيهم نبض وتينُ صلاح الدين؛ حيث صرخته الباقية تتردد من الشوبك والكرك إلى حلب وطرق قوافل الحجاج حتى الحجاز لتطمئِن بها عينُ "ست المُلك" وعينُ "ست الشام" وترقد بعدها بسلام.

بحسب المعايير المعروفة والمشاهدة، فقد غُرر ببعض الناس أن المحتل الصهيوني لا يقهر فهو يمتلك جيشًا عظيمًا ولكن المعايير الإلٰهية تتجاوز المنطق ويجنِد لها ما لا يخطر على بال كل أفاكٍ أثيم ومع ذلك يعتنقون عقيدة جيش الورق "ولو جاءتهم كل آيةٍ حتى يروا العذاب الأليم" تريثوا... قادمٌ قادمٌ لامحالة.

الفيصل الحاسم بين الحق الواضح والباطل الفاضح لايراه من ضُرب على سمعه وبصره غشاوة، والقاسمٌ الصارخ بين المحتل الغاصب وصاحب الحق الغاضب يراه الجميع حتى من تغشى بالمصلحة فلا يُنكره إلا تعاليًا وكبرًا، وأصحاب الدروع الثقيلة مصيرهم العثرات والكبوات ككبوة حصان الإمبراطور الألماني فريدريك بربروسا ذي اللحية الحمراء في نهر كاليكارس إبان حملته الصليبية عندما خر غريقًا بدرعه الثقيل وأركست جثته في جرة خمر حتى لا تتعفن وانفرط عقد جيشه.

لم يتطلب الأمر منا قرونًا زمنية متطاولة لنمايز المتخاذلين حيث رأينا صنفين منهم ممن يبثون روح الضعف والهوان في الأمة ولا يؤمنون بالتوكل على الله وإعداد العدة قدر المستطاع، ومن يرضخون لمبدأ التكافؤ المنحاز للعدو من خلال اتخاذ النافقاء خطةً للدخول والقاصعاء للعودة في تصريحاتٍ هي أقربُ للسذاجة من خلال مداخيل الإنسانية والشرائع والمصالح التجارية وقد استمروا ذلك تحت غطاء التطبيع الشفيف كغطاء القبة الحديدية الضعيف.

هل رأيتم أنبل من الغزّاويين؟!

كذب الكيان الغاصب وساندته قوى الغرب لنشر وهم محاربة الإرهاب وهم صنَّاعهُ وضللوا العالم كله عندما بدء عزل غزة عن محيطها وكان الحصار غضًا طريًا فصبروا وصابروا، وها نحن اليوم نراهم وقد استووا على سوقهم وجاش بأسهم ورُفع رأسهم فلله درهم، وسينصر الله عباده ويعز أجناده ويذل الغاصب الكاذب والخانع القائل قوة المقاومة لاتضارعهم، حتى إذا سحت سحائب الحق وجدوها تساويهم بل تساميهم وستعصف بهم عزيمة الأحرار عصفًا يساق معه الذين تجبروا إلى جحورهم في الجولة الأخيرة.

شكرًا غزة، عندما التبس علينا الصالح من الطالح واختلط الغث بالسمين نصبتِ كفوف الموازين؛ يوقن أهل غزة أن طريق الكرامة وموت الشهادة هما العزة وأن الحياة بدونهما ذل، يجاهدون في سبيلهما وكل مامكنهم الله فيه خير، كما يوقن الصهاينة ومناصروهم أن حياة القنى وقول الخنى هما العزة وأن الموت بدونهما ذل يجاهدون في سبيلهما وكل مامكنهم الشيطان فيه خير "والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

هل رأيتم أنبل من المقدسيين؟!

ستنكأ جروح الشيخ جراح في ليلةٍ من الليالي وسيقومون ليختمونها ثم "والشفع والوتر" وسجداتٍ لا تحصى، ويهبون لقبلتهم الأولى لصلاة النصر "والفجر وليالٍ عشر" في حرم الأقصى، ويسبحون بحمد ربهم ويستغفرونه "إنه كان توابًا".