"حكومة الفرصة الأخيرة" في السودان

 

د. هبة بت عريض **

 

ربما ما زالت الأغلبية الصامتة في السودان عند نقطة البداية من ردود أفعالها تجاه الحكومة الانتقالية، بالرغم من ذلك التقافُز والتذبّذب بين التشاؤم والتفاؤل، ونِسب تفوق إحداهما على الأخرى.

"حكومة الفُرصة الأخيرة" ذلك العنوان الذي بدأ يُحاكي توقّعات أغلب قيادات الإطار التنسيقي ويدفعهم باتجاه عدم إفشال الاتفاق الإطاري لكي لا يُحسب هذا الفشل إلى جهة واحدة ويتوزّع على باقي التحالفات كما كان يحدث في السابق. لكن يبدو أنَّ حليمة عادت لقديمها، عادت بعد تصاعد الخلافات إثر محاولات أطراف الحصول على مناصب ومراكز حكومية أوسع وأكثر مُستغلين علاقتهم الوطيدة مع صُناع الاتفاق الإطاري، إضافة إلى تصاعد الأصوات من أطراف يمينية أو ما يسمى بالتيار الإسلامي العريض، بضرورة عدم التوقيع عليه، وتضامنت حركات الكفاح المسلح وبعض الأحزاب مع هذا المُقترح خصوصًا بعد أن وصفه البعض بأنَّ بنوده قد صيغت خارج البلاد من أيادي خفية لها مصالح، وذلك في مُحاولة من مُحاولات الابتزاز السياسي للحصول على مكاسب أكثر في السُلطة مما قد يُسبّب فوضى وإرباكاً في المشهد السياسي ربما يُطيح بِبعض الأحزاب السياسية.

محاولات التهدئة التي يعمل عليها المجلس السيادي، بالمقابل التصعيد المستمر من قِبل لجان المقاومة والقوى الرافضة للتدخلات الخارجية التي يراها البعض أنها تُربِك العملية السياسية المُرتبكة أصلًا، والتي ينتظر فشلها الشركاء قبل الشعب.

الرهان على الفشل ناتج عمَّا تسرّب من خِلافات بين قيادات الاتفاق الإطاري ووصلت إلى تهديد بعض الأطراف بالانسحاب وربما خلال أيام يكون هو العنوان الكبير لتلك الفرصة الأخيرة لهذه الحكومة التي جاء تشكيلها بعد مخاض سياسي عسير وضرورة التهدئة السياسية وتطبيع الأوضاع، خُصوصًا وأن البلد من المفترض مُقبل على انتخابات حسب الوثيقة الدستورية، في حين لم تُسعِف هذه الحكومة المواطن البسيط في إنعاش حياته المعيشية وتوفير العلاج وفُرص عمل للعاطلين وتحسين الوضع المعيشي للشعب، وكان جُلّ اهتمامها هو الإقالات والإعفاءات وتغيير في المناصب الأمنية والإدارية بأشخاص مُقرّبين للسُلطة وحكايات فساد وقصص سَرِقات يقف أمامها النظام السياسي بأكمله عاجزًا عن وأدها، أو على الأقل وقف نزيف الفساد في صورة تتكرّر مشاهدها من حكومة إلى أخرى.

الوقت الضائع الذي تبتغي السُلطة اللعب فيه وتحقيق الفوز بات لا يُسعفها، فتشكيل الحكومة جاء وفق مُعطيات وتوافق خارجي وداخلي وإقليمي وسياسات دوليّة ارتضت بما هو موجود لِحين إنجلاء الضباب، وليس نتيجة تحالفات أفرزت مشهدًا سياسيًا ضبابي المعالم، وبالتالي فما كان مَن أساسه باطلا حتمًا سيُنتج الباطل، لكنها مسألة وقت ليس أكثر.

لم يعد المواطن يُميّز بين التفاؤل والتشاؤم حين ضاعت ألوان حياته وأغرقتها تفاهات ولصوصيّة بعض رجال السُلطة وصِراعات حزبيّة لا ناقة له فيها ولا جمل وأيام وسنوات مُجرّد أرقام ترحل من زمنه ولحظات ندم على أنّه جاء في الزمن والمكان الخطأ ليس أكثر.

همسة:

بصلاح ذات البين طول بقائكم إن مد في عمري وإن لم يمدد

حتى تلين جلدوكم وقلوبكم لمسود منكم وغير مسود

إن القداح إذاجمعن فرامها بالكسر ذو حنق وبطش إيد

(عزت ولم تنكسر وإن هي بددت فالوهن والتكسير للمتبدد)

قيس بن عاصم.

** كاتبة سودانية

تعليق عبر الفيس بوك