العملات الرقمية بين الواقع والمستقبل

توجه دولي نحو "عالم بلا أموال ملموسة".. ومطالب بالتقنين للحد من مظاهر الاحتيال

◄ البنك المركزي يؤكد التزامه بدعم الابتكار وتحديث القطاع المالي مع ضمان الاستقرار

◄ العمري: العمل جارٍ على إصدار عملة رقمية خاصة بالبنك المركزي

◄ جهود متواصلة للتصدي للعملات غير القانونية وتجارة العملات الرقمية

◄ القريشي: الحملات الإعلانية الزائفة تركز على عاطفة المستخدمين للإيقاع بهم

◄ آل عبدالسلام: البحث عن الثراء السريع أحد أسباب الوقوع في شباك الاحتيال

البادي: العملات الرقمية تمر بمرحلة حرجة ويجب الحذر من الخداع الإلكتروني

غياب الآلية القانونية الواضحة سبب في الارتباك العالمي تجاه العملات الرقمية

متخصص: نحتاج لتقنين أوضاع سوق العملات الرقمية باعتبارها مستقبل التعاملات

الرؤية- أسعد البدري

تمثل العملات الرقمية (المشفرة) أحد انعكاسات التطور التكنولوجي على القطاع المالي، حيث تبلورت منذ سنوات أول عملة رقمية "البيتكوين" مشفرة معتمدة في ذلك علي التقنية الثورية المعروفة باسم "بلوك تشين" أو "سلاسل الكتل"، وعلى الرغم من اتساع رقعة استخدام وتداول هذه العملات حول العالم وما حققته من أرباح وتعاملات تقدر بمليارات الدولارات إلا أن الكثير من دول العالم لم تقنن أو تضع التشريعات المنظمة لتداول العملات الرقمية بما فيها سلطنة عمان.

غير أنه خلال الفترة الماضية شهدت الساحة الاقتصادية ما يمكن تسميته بـ"التصالح" مع العملات الرقمية حيث كشف سعادة طاهر بن سالم العمري- في تصريحات سابقة خلال مشاركته في مؤتمر العصر الجديد للصيرفة في يوليو 2022- أنه جارٍ العمل على العملة الرقمية للبنك والخدمات المصرفية المفتوحة مع دراسة الخدمات المصرفية المفتوحة وبحث التحديات التي تواجه رقمنة القطاع. وخلال ذلك المؤتمر تحدث العمري عن تطورات النظام الاقتصادي المالي في ظل العصر الرقمي واعتماد استراتيجيات جديدة وابتكار منتجات وخدمات للوصول إلى العملاء عبر المنصات الرقمية ومكافحة المخاطر السيبرانية.

وأكد أن البنك المركزي العماني ملتزم بدعم الابتكار وتحديث القطاع المالي بما يتماشى مع ضمان الاستقرار المالي، وأهمية الاستثمار في تقنيات الأمن السيبراني والاسثمار في رأس المال البشري للتغلب على تحديات الأمن السيبراني.

وذكر سعادة الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني إن قطاع الخدمات المالية خلال التطورات التكنولوجية ساهمت في التغيير من حيث تقديم المنتجات وتصميمها، وقد تسارع التحول الرقمي أثناء الجائحة خاصة في أنظمة الدفع والتسوية، لافتا إلى ارتفاع عدد معاملات نقاط البيع من 24 إلى 115 مليون معاملة سنويًا خلال الأعوام الخمسة الماضية. وبيَّن سعادته أنه تم إطلاق بوابة المدفوعات للتسوق الإلكتروني وتطبيق نظام المدفوعات عبر الهاتف النقال من عام 2011 إلى 2017 ، وصدر قانون المدفوعات الوطنية في عام 2018  وأصدرت اللائحة التنفيذية لقانون المدفوعات الوطنية في عام 2019.

الجهات الأمنية، من جهتها، تواصل جهود التصدي للمعاملات المصرفية غير القانونية، ومنها تجارة العملات الرقمية، وقد تحدث العميد جمال بن حبيب القريشي مدير عام التحريات والبحث الجنائي في تصريحات نشرتها جريدة الرؤية في نوفمبر 2022؛ حيث قال إن جرائم الاحتيال انتشرت بشكل كبير على المستوى المحلي خلال العام الجاري مقارنة بالسنوات الماضية، مما يستوجب تعزيز التوعية المجتمعية في هذا الجانب من خلال بعض الإجراءات البسيطة التي يقوم بها الشخص لحمايته من الوقوع ضحية لهذا الأسلوب الجرمي. وأشار القريشي إلى مسألة تداول العملات الرقمية، وقال إنه لا يمكن حصر المنصات المخصصة لتداول هذه العملات؛ لأنها تدار من خارج سلطنة عمان ومعظمها لا يمكن الوثوق بها؛ حيث إنها تستخدم من قبل الجناة لارتكاب جرائم متعددة متصلة بالاحتيال الإلكتروني، لافتا إلى أن الإدارة العامة للتحريات والبحث الجنائي سجلت خلال الفترة الأخيرة عدة بلاغات لضحايا الاحتيال الإلكتروني نتيجة التعامل المباشر مع منصات وهمية لتداول عملات رقمية رُوج لها بأساليب متعددة وشعارات زائفة عبر قنوات مختلفة كبرامج التواصل الاجتماعي واللقاءات الشخصية المباشرة. وأضاف مدير عام التحريات والبحث الجنائي أن الإعلانات الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعد الوسيلة الأبرز والأكثر انتشارا للترويج للمنصات الوهمية لتداول العملات الرقمية، بسبب تصميمها الاحترافي بهدف جذب وإقناع الضحايا للمشاركة في هذه المنصات لينتهي بهم الحال إلى دفع مبالغ مالية طائلة تحول لاحقا إلى خارج سلطنة عمان، حيث تركز تلك الإعلانات والحملات الدعائية على التأثير العاطفي في المستهدفين باستخدام عبارات براقة وشعارات جذابة زائفة تخلو من المصداقية.

من جانبه، قال محمد آل عبدالسلام متخصص في التداول بالأسواق العالمية- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إنه يتعين على الشخص الراغب في التداول الإلكتروني التأكد من مصداقية المنصة التي يستخدمها في تداول العملات الرقمية ونوع التراخيص الحاصلة عليها؛ حيث يعتمد الأمر على نوع الترخيص ومن أي جهة ومن أي هيئة رقابية عالمية؛ إذ تنطوي على مخاطر متعددة، مشيرًا إلى أن الكثير من المستخدمين يسعون وراء "الثراء السريع"، محذرًا من ذلك كونه قد يوقعهم في فخ الاحتيال الإلكتروني.

محمد آل عبدالسلام.jpeg
 

وأضاف أن من المحتمل أن يكون لها مستقبل ولكن ليست بالطريقة الحالية ويمكن للبنوك المركزية أن تصدر عملاتها الرقمية الخاصة بها لأن مشكلة العملات الرقمية تسبب مشاكل كثيرة وبالذات البيتكوين ويمكن الشخص أن يمول فيها الإرهاب أو الجرائم بدون تتبع، وعملة البيتكوين مسجلة في بورصات عالمية ونفضل دائمًا العملات الأجنبية لأنها الأكثر استقرارا وخطورتها أقل.

وأكد في الفترة الأخيرة أصبح الكثيرون يروجون للعملات الرقمية وبدون وعي أو فهم عن ماهية العملات الرقمية وكيف تكونت هذه العملة لأن من المعروف أن عملة البيتكوين تملك خاصية البلوك تشين بينما ظهرت عملات أخرى ولايوجد معلومات عنها ويدخل المستثمر فيها ليأخذ عوائد كبيرة في فترة وجيزة.

وقال سالم البادي متداول في العملات الرقمية ومهندس تقني- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن العملات الرقمية تمر بمرحلة حرجة بعد الأخبار الأخيرة حول منصة "FTX" اللي تسببت في انخفاض أحجام التداول لأكثر من النصف. وأوضح البادي أن منصة "FTX" من المنصات الرائدة في بيع وشراء العملات الرقمية، لكن وفي أزمتها الأخيرة، تبين أنها لا تملك السيولة الكافية لدعم عمليات السحب التي قام بها المستثمرون، مما أدى إلى اتخاذها قرارًا بوقف عمليات السحب التي قُدرت بمليارات الدولارات. ويرى البادي أن المنصة بهذه الطريقة تكون قد مارست "الخداع الإلكتروني" على العملاء، الذين لم يعودوا قادرين على سحب استثماراتهم، مشيرًا إلى أن المنصة كانت تستخدم هذه الأموال في "أغراض خاصة" على حد قوله.

سالم البادي.jpeg
 

ولفت البادي إلى أن مثل هذه التطورات في سوق العملات الرقمية تسببت في "هز ثقة المستثمرين" بالعملات الرقمية، حتى إنهم لجأوا إلى سحب مليارات الدولارات من منصة "بينانس" العريقة. غير أنه لحسن الحظ، كما يقول البادي- صمدت هذه المنصة وبرهنت على قدرتها على توفير السيولة الكافية للسمتثمرين.

ويرى البادي أن كل هذه الأحداث تحدث نتيجة لغياب آلية قانونية واضحة في تنظيم العملات الرقمية، علاوة على أن العملات الرقمية وطريقة عملها تنافس البنوك حول العالم، ولذلك هناك تردد من قبل البنوك المركزية والجهات التنظيمية الحكومية حول العالم في السماح باستخدامها. وأضاف أن هناك عملات جديدة مثل "XRP" والتي زاد استخدامها في البنوك خاصة في اليابان، وهي تهدف إلى تسهيل تحويل الأموال.

لكن البادي يأمل من السلطات والجهات المعنية بتنظيم العملات، السعي لتقنين أوضاع سوق العملات الرقمية، نظرًا لأنها تعتمد على تقنية "البلوك تشين" والتي يرى أنها تقنية المستقبل وأنها ستصمد لعدة سنوات، وأن البنوك المركزية حول العالم ستسعى لإنشاء عملات رقمية تابعة لها، لأن الاقتصاد العالمي يتجه نحو "عالم بلا أموال ملموسة".

ويشير ‏فيصل النهدي، باحث وحاصل على شهادة الماجستير من المملكة المتحدة في "تقييم مخاطر العملات الرقمية، إلى أن الوقت الحالي يشهد وجود أكثر من 20 ألف عملة رقمية، وأن حجم الأموال المستثمرة فيها تصل إلى حوالي 800 مليار دولار، معتبرا أن تأثير هذه الأرقام على الاقتصاد العالمي يعد محدودا بسبب عدم وجود تشريعات قانونية تحمي المستثمرين أو تنظم هذه الاستثمارات.

فيصل النهدي.jpeg
 

ويذكر أن البنوك المركزية والمؤسسات المالية ما زالت في حالة دراسة لهذه العملات والتقنية القائمة عليها (البلوكشين) لتقييم إمكانية توسعة نطاق استخدامها، بحيث لا تتعارض مع النظم المركزية لهذه المؤسسات، وخاصة أن هناك الكثير من الميزات التي يمكن الاستفادة منها كسرعة إنجاز المعاملات وحماية البيانات، مضيفا: "يمكن القول أننا ما زلنا في مرحلة التأسيس ولكن حين يتم تأطير استخدام هذه التقنية من خلال قوانين ونظم، سيتم جذب الكثير من المستثمرين والمؤسسات لاستخدامها، وبالتالي ستتضخم الأموال التي يتم نقلها من خلال هذه التقنية مما سيؤدي ذلك إلى دخول مؤثر جديد على الاقتصاد العالمي والذي سيغير قواعد النظم المالية لتتماشى مع هذا الشكل الحديث من الأموال".

 

تعليق عبر الفيس بوك