اعتنِ بيومك وسيتكفل باقي العام بنفسه!

 

أم كلثوم الفارسية

هل وضعت يومًا ما هدفًا لحياتك وسعيت لتحقيقه، ثم تدريجيًا وبدون أدنى وعي منك تحول هذا الهدف إلى عبء كبير يُثقل أيامك ويستنزف طاقتك ويُعيق اتزانك؟! ثم قلت في نفسك لماذا جلبت المتاعب لحياتي لقد كنت في غنى عن كل هذا، لكنك حاولت جاهدًا الاستمرار في مُقاومة هذا الشعور لأيام.. أسابيع.. ربما شهور حتى فقدت الرغبة وقررت الانسحاب!

حالة إنسانية مُتكررة، ولا أخفي عليكم سرًا أني قد اختبرت هذا الشعور كثيرًا في حياتي، والأسباب وراء ذلك مُتعددة، لكن اليوم أشارككم سببًا ينطوي على خدعة كبيرة يُقدمها لنا عقلنا الباطن، إنها في فخ النتيجة النهائية للهدف هذا الأمر خطير جداً أن التعلق بالأهداف شعور مؤلم للغاية يظهر لنا على أنه أمر جيد ومطلوب لتحقيق الهدف ولكنه في الواقع سجن تضع نفسك فيه والمضحك في الأمر أن هذا التعلق الذي نرى فيه حياتنا هو الشيء الوحيد الذي يعيق تحقيق الهدف ولا يكتفي بذلك بل يقلب حياتنا رأسًا على عقب فنقصر في حق أنفسنا وفي حق من لهم حق علينا لأننا بكامل تركيزنا وشعورنا مرتبطين بلحظة تحقيق ذلك الهدف وهذا ما يجعل الموضوع في غاية الخطورة  فتعلقنا بالصورة النهائية للهدف يحرمنا الاستمتاع برحلة الإنجاز نفسها والتي هي في حقيقة الأمر حياتنا ذاتها.

من الأمور التي تجعل الكثير من النَّاس يستسلمون قبل تحقيق الهدف هو تعلقهم بالمحطة الأخيرة والتي إن تأخرت أو بدت عصية المنال يختار الشخص الانسحاب بينما الشخص الذي يعيش بإحساس أنه في رحلة وأن المحطة النهائية آتية لا محالة تجده أكثر هدوءا وسلاما هو مستمتع بالحالة النفسية التي تحمله على الإنجاز فمشاعر الضغط والقلق والرغبة في الوصول لا تفسد عليه رحلته لأنه هو من يمسك بزمام أمره.

إن أكثر ما يفسد علينا استمتاعنا برحلة تحقيق الهدف هي المعتقدات المشوّهة والبرمجيات الخاطئة التي تلقيناها بدون وعي منِّا في الغالب عن الحياة والسعادة والإنجاز.

فتأطير النجاح والسعادة والراحة لهي جريمة بشعة في حقنا جميعا لأن في حقيقة الأمر أن لكل إنسان طريقته الخاصة ومشاعره المتفردة في الشعور بهذه الحالات الإنسانية المشتركة والتي تمر علينا جميعاً دون استثناء، وللأسف الشديد غالبا ما نبحث عنها لنعيشها كما حددها الآخرون وكما اتفق عليها العقل الجمعي!

فكلما تخلينا القوالب الجاهزة للنجاح كلما أصبحنا أكثر قدرة على فك تعلقنا بالأهداف وكلما أصبحنا أكثر قربًا من أهدافنا وأكثر استمتاعا بحياتنا. والجانب المهم الذي يعيننا على الحياة الرشيقة دون ثقل الأهداف هو التحرر من سؤال "كيف سيحدث ذلك؟؟" لأنه ليس من الضروري أن تعرف كيف بل مسؤوليتك تتوقف عند السعي وراء الأسباب أما الكيفية فهي أمر يختص به الله.

العجيب أننا من شدة برمجتنا أصبحنا لا نرى النجاح إلا بالطرق التي سبق وأن جربها الآخرون بينما الله تعالى يخبرنا بأنَّ الحياة وفيرة وفرص النجاح والسعادة متاحة أكثر مما نعرف.

وأخيرًا.. صديقي إنْ كنت وقعت في فخ التعلق بالهدف حاول هذه المرة تجزئة الهدف إلى أهداف صغيرة والتفكير بها على أنها خطوة في طريقك الطويل فذلك  يهون عليك الإحساس باليأس ويقضي على ملامح الشك التي تراودك بين الفينة والأخرى وتأكد بأن الذي يجعل النتائج ممكنة هو الأيام؛ فالنجاح الكبير هو عبارة عن نجاحك في يوم واحد سبعة أيام في الأسبوع ثلاثمائة وخمسة وستين يوما في السنة فإذا أردت حياة ناجحة اعتنِ بيومك وسيتكفل باقي العام بنفسه.

تعليق عبر الفيس بوك