جابر حسين العماني
عندما نبحث عن الإنسان الناجح الحقيقي في الحياة الاجتماعية، نجده هو ذلك الإنسان الذي سار على نهج نبي الأمة مُحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم واتخذ منه القدوة الحسنة في الحياة، قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
لقد كتب مايكل هارت وهو أحد الكتاب المسيحيين مؤلفاً سماه "المئة الأوائل" تناول في كتابه أعظم مائة شخصية ناجحة في الحياة، كان لها الدور الفاعل في مجتمعها وأمتها، ونال الكتاب حظًا كبيرًا وشهرة واسعة، على الصعيد العربي والأجنبي، وذلك بسبب وضع المُؤلف اسم نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على رأس القائمة؛ حيث ذكر المُؤلف كل شخصية بحسب نجاحها وتحقيقها لأهدافها الكبيرة التي حققتها، ورغم أنَّ الكاتب مسيحي وليس له أية صلة بالإسلام إلا أنَّه صنف أول اسم من تلك الشخصيات اسم نبينا الخاتم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وجعله أفضل الناجحين في الحياة الاجتماعية والبشرية.
أما كيف وصل نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك النجاح العظيم، وما هو السر في ذلك؟ فإنَّ المتأمل في تأريخ حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وما قدمه من إنجازات عظيمة لمجتمعه وأمته يتضح له أن أهم عنصر قدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعله من أفاضل الناجحين الأوائل في الحياة، هو تمسكه بالرحمة المُحمّديّة المُهداة له من السماء، وهي من كان يتحلى بها صلى الله عليه وآله وسلم، والتي من خلالها استطاع كسب القلوب ودخولها بلا استئذان، قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".
أربعون عامًا مُتواصلة عاشها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين قومه يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ولم يكن في يوم من الأيام مصدر أذى، أو فظًا غليظًا على أحد، وكانت سيرته مبنية على الرحمة والتقدير والإجلال والاحترام، تلك الصفات الحميدة التي جعلت منه إنسانًا عظيمًا يحترمه ويقدره الجميع، وكان مُلهمًا ومُعلمًا للأجيال، وراسمًا لهم أسرار النجاح والإبداع في الحياة، والتي من خلالهما يستطيع الإنسان صناعة المجد والحضارة لنفسه ولمجتمعه ووطنه.
إنَّ من أسرار النجاح التي أخلص لها نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الآتي:
- أولًا: حب العمل؛ وهو عنصر مُهم في الحياة الاجتماعية وبدونه لا يستطيع الإنسان الوصول إلى الأهداف والإنجازات المنشودة والمرجوة، فلابد للإنسان أن يُقدس العمل ويحبه حبًا جمًا، وكلما أحب الإنسان عمله كلما أبدع فيه وتميز وتألق ووصل إلى الهدف.
- ثانيًا: الالتزام بالصدق والإخلاص والأمانة في مواقع العمل، وتجنب الكذب والرياء وكل ما يُعكر أجواء العمل.
- ثالثًا: حب التعلم؛ فالعلم يساعد على إثراء العقل بالمعلومات المختلفة التي تعين الإنسان على النجاح والإبداع بشكل أسرع وأفضل وأجمل.
- رابعًا: إتقان العمل؛ وهو من أساسيات النجاح والوصول إلى الإبداع والتفوق والتميز، قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّكُمْ فِي مَمَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي آجَالٍ مَنْقُوصَةٍ، وَأَعْمَالٍ مَحْفُوظَةٍ، وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً، مَنْ زَرَعَ خَيْرًا فَيُوشِكُ أَنْ يَحْصدَ رَغْبَةً، وَمَنْ زَرَعَ شَرًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَحْصدَ نَدَامَةً، لِكُلِّ زَارِعٍ مِثْلَ مَا زَرَعَ..).
- خامسًا: تحديد الأهداف والعمل الجاد لتحقيقها فبدون تحديد الوجهة والهدف لا يمكن للإنسان الوصول إلى قمة النجاح والإبداع في الحياة.
لذلك.. على الإنسان بعد رسم أهدافه التي رسمها وخطط لها، العمل على تحقيقها وإنجازها، والعمل على التخلص التام من الأفكار السلبية، التي لا فائدة منها، والتي قد تكون سببًا في إفساد ما يُقدمه الإنسان لنفسه ومجتمعه ووطنه، وذلك من خلال الاستفادة من الأخطاء السابقة، ومن أهل الخبرة والتجارب الناجحة في الحياة.