هجرة المستثمر المحلي

 

خلفان الطوقي

 

تسعى السلطنة إلى جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية، وهذا توجه محمود وفي محله، لكن تبقى أهم أداة ترويجية لذلك هي رضا المستثمر المحلي، فإن كان المستثمر المحلي راضيًا، فبكل تأكيد سوف يصل رضاؤه إلى المستثمر الخارجي، وسوف يقنع غيره بالقدوم إلى عمان بشكل فردي أو من خلال مؤسسته التجارية أو بإيجاد شراكة تجارية مع عُماني أو غير عُماني، وفي المقابل قد يحدث العكس إن وصلت رسالة سلبية للمستثمر الخارجي مفادها بأن المستثمر المحلي يعاني ويناضل للبقاء، فلن تجدي أي حملة ترويجية لاستقطاب رؤوس أموال أو استثمارات عالمية جديدة، ومن خلال هذا المبدأ يظهر جلياً أن المستثمر المحلي هو الأساس، فإذا استطاعت الحكومة المحافظة عليه وكسب رضائه، فلتضمن أنها لن تجد صعوبة في جذب رؤوس أموال أجنبية إضافية.

المقالة هدفها إيصال رسالة عاجلة إلى الحكومة بأن تحافظ على المستثمر المحلي الذي يشمل المستثمر المواطن والمستثمر الأجنبي الموجود حالياً في الأراضي العمانية، وتجد الأرضية المناسبة للاستثمار، فما مرَّ على معظم النشاطات التجارية في القطاع الخاص منذ نهاية عام 2014 وتبعتها جائحة "كوفيد-19" إلى الآن ليس بالسهل أبدًا، ويحتاج إلى مزيد من المعالجات الترميمية المبكرة والمبتكرة والمستمرة.

مُعاناة القطاع الخاص ليست كلمة إنشائية هدفها المبالغة أو التهويل، إنما هو واقع معاش يظهر في حالات الإفلاس والتصفية والمطالبات المالية وقضايا المحاكمات وقصص التسريح وندرة الفرص الوظيفية وغيرها من الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي قد ترمي بظلالها على ما تبقى من مكونات مجتمعية، وبالتالي تتعقد الأمور أكثر فأكثر.

بالرغم مما ذكر أعلاه ما زال هناك مستثمرون يناضلون للبقاء في المحيط العماني، والذكاء الحكومي يكمن في المحافظة عليهم وتشجعيهم في ممارسة التجارة، وتحويل ودائعها المالية المحلية أو العالمية لتكون في صورة سيولة نقدية تستفيد منها دوائر كثيرة من أفراد ومجتمع ومؤسسات تجارية ومدنية ودولة.

الهاجس الذي يتردد في بعض الأوساط الحكومية والتجارية عن نية الحكومة في عام 2023 فرض ضريبة إضافية على أصحاب الدخول المالية العليا أو ما يسمونهم بـ"أصحاب الثروات"، والمبرر المشاع أن العوائد المالية من هذه الضريبة سوف تدعم بعض البرامج الاجتماعية المنضوية تحت مظلة الحماية الاجتماعية، ولكن في المقابل فإن وجهة نظر التاجر أنها القشة التي تقصم ظهره المتعب بالأحمال الثقيلة منذ نهاية عام 2014، وأن الوقت قد حان لتعيين مستشار مالي مُتمرس في التهرب الضريبي أو هجرة الأموال إلى محيطها العالمي الآمن  والمغري والشاسع.

لا داعي لذكر العواقب والآثار لأنه سبق كتابة مقالة تفصيلية في جريدة الرؤية بعنوان "آثار ضريبة الدخل على الأفراد" بتاريخ 23 أبريل 2022، ويمكن العودة إليها للقراءة والتفكر فيها، وهذه المقالة ما هي إلا لدعوة الحكومة لإعادة النظر في هكذا توجه، وحساب المزايا والمساوئ، داعيا إياهم إلى التفكير الخلاق والمبتكر في كيفية إدماج وإقناع أصحاب الثروات بضخ المزيد من الاستثمارات، وتشجعيهم على تشجيع غيرهم للقدوم إلى عُمان والاستثمار فيها، وتفادي محاربتهم والتنمر عليهم بأيِّ شكل من الأشكال، فهم مكون مجتمعي استراتيجي، وثروة متنامية، وصمام أمان جوهري، وثروة  لابد من المحافظة عليها وتنميتها بشكل مستمر.

ولنضع هذه القاعدة ماثلة أمامنا: إن أهملناهم بأي شكل من الأشكال، فلنعلم أن هناك عشرات الدول سوف تُغريهم وتجتذبهم، ولن يكون هناك خاسرٌ إلا نحن!