خلفان الطوقي
الجميع تابع الخبر الإيجابي والمُبشر والذي أصبح "ترند" في كل وسائل التواصل الاجتماعي، هو: تخفيض ودمج وإلغاء حوالي 288 خدمة حكومية ورسومها المالية، ولا حديث منتشر اليوم انتشار العرض المرئي المكون من 62 صفحة لهذا الموضوع، وملف قوائم هذه الخدمات المكونة من 38 صفحة، وما هذه إلا المرحلة الأولى من المشروع المُسمى "تسعير".
أتى توقيت هذه المبادرة في الوقت المناسب، فكما يعلم الجميع أن مُعظم النَّاس والقطاعات التجارية عانت في العامين الماضيين بسبب جائحة كوفيد ١٩، وما تبعها من تبعات مؤلمة طالت مُعظم القطاعات التجارية وخاصة قطاعات المقاولات والسياحة والقطاعات المرتبطة بها، ولم تستثنَ من ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، أضف إلى ذلك الأفراد من تسريح وتخفيض الرواتب وما خلف ذلك من آثار على الفرد والمجتمع، فعودة الأفراد والمؤسسات التجارية إلى سابق عهدها يأخذ بعض الوقت، ومبادرة "تسعير" سوف تساهم في إعادة الثقة إلى نفوس الأفراد والمؤسسات.
مبادرة "تسعير" لها أثر اجتماعي لأنها لامست جميع المواطنين والمقيمين والزوار، ومن خلال ٢٨٨ خدمة لابد أن تجد عددا من هذه الخدمات تلامس الأفراد بشكل أو بآخر، والخبر المفرح أنَّ بعض هذه الخدمات وصلت نسبة التخفيض فيها إلى ٩٧%، والمواطن والمقيم على حد سواء هم بأمس الحاجة إلى أخبار إيجابية وخاصة في هذا التوقيت المشحون بكم هائل من السلبية.
كما أن هناك أثر اقتصادي إيجابي على الفرد والمجتمع والقطاع الخاص والدولة، فالفرد عندما يجد أن رسوم الخدمات الحكومية منطقية ومعقولة ستجده مقتنعاً ولا يتردد في دفعها، وبالتالي لن تجده ساخطا شاكيا، مما يعني وجود مجتمع إيجابي واثق ومتآلف مع بعضه البعض ومع حكومته، وأثر ذلك عميق وعظيم ولا يقدر بثمن.
يمتد الأثر الاقتصادي الإيجابي على رجال وصاحبات الأعمال وفي مكونات القطاع الخاص سواء للمستثمر المحلي الحالي أو الجديد، والمستثمر الأجنبي الحالي أو المستهدف، فهذه المبادرة هي عبارة عن رسالة للقطاع الخاص بأن الحكومة شريكة وتسمع الأصوات المنادية المطالبة بتخفيف الأعباء الثقيلة الإدارية والمالية، وأن الحكومة مستمرة في سعيها بأن تكون تنافسية وشريكا موثوقة للقطاع الخاص، وما على القطاع الخاص إلا أن يستمر في سعيه لتوصيل رسالته باستمرار دون كلل أو ملل، فعلاقة الحكومة والقطاع الخاص بطبيعتها تمتاز في أي مجتمع حيوي وصحي بديناميكيتها في الشد والجذب وفي الأخذ والعطاء. الأثر الإيجابي لا يتوقف على الفرد والمجتمع والقطاع الخاص بل يمتد للدولة، فعُمان ساعية أن تكون تنافسية ليس بالشعارات والأقوال إنما بالأفعال من خلال تطوير سياساتها المرنة وإجراءاتها المتطورة ومبادراتها المبتكرة وأفكارها المتجددة، وهذه المبادرة تنصب في هذا السياق، خاصة وأن مبادرة "تسعير" لم تخفض الرسوم فقط، إنما قامت بأفضل من ذلك من حيث إلغاء بعض الخدمات، ودمج الخدمات المتشابهة ببعضها البعض حفاظاً على الجهد والوقت والمال وتطوير لبيئة العمل وتنافسيته.
وبما أن الحكومة شريك ومرتكز أساسي في التنمية مع بقية مكونات المجتمع من أفراد ومؤسسات، وهي منَّا وفينا، فلابد أن يكون لديها خط رجعة سريعة وذكية، فما يصلح من رسوم مالية عالية في دول أخرى قد لا يصلح في عُمان، وعليه لابد من مراعاة جميع المعطيات المحلية كدخل الفرد، وتعدادنا السكاني، ونسبة الوافدين فيها، وأهدافنا التنموية، وأولوياتنا الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من معطيات.
أخيرًا.. ومن خلال هذه المبادرة فقد بثت الحكومة الثقة والطمأنينة والاستقرار النفسي والأمان المجتمعي، بالإضافة إلى الكم الهائل من الرسائل الإيجابية محليا وعالميا، خاصة للمجتمع الاستثماري في وضوح رؤيتها توحيد الخدمات وإعادة هيكلتها، وبالرغم من ذلك، فإننا سنظل نطلب المزيد من السرعة والجودة والسهولة في كافة الخدمات الحكومية، وسوف تظل هذه المطالبات متوقعة ومشروعة ولا تتوقف ونابعة من أن عُمان والعمانيين وكل من يقيم فيها مجتمع حي وديناميكي يعيش في نهضة متجددة ويريد الأفضل، وهو مستحق لذلك.