فرحة.. بثمن

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

في الوقت الذي كُنَّا نستعدُ فيه كأسرة لحضور احتفال تخرج أخينا الأصغر (آخر العنقود) من إحدى الكليات الخاصة بمسقط، وبعد ما كنتُ أظن نفسي من المدعوين بصحبة الوالدة الغالية- الله يحفظها- حيث كان العرف السائد لحفلات التخرج أن الدعوة تكون لشخصين عن كل عائلة، بحكم توزيع إدارة الكلية لتذاكر الدخول بالنسبة لعائلات الطلبة، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.

فقد كانت المُفاجأة حين قررت إدارة الكلية أن تقلص التذاكر الموزعة على عائلات الطلبة إلى تذكرة واحدة فقط، ومن يرغب في المزيد عليه أن يدفع ثمن تذكرة الحضور، والمبلغ للعلم ليس بالهين ولا بالقليل!

عجبي.. أنحن في زمان أصبحت فيه الفرحة بثمنٍ؟ فكيف لإدارة كلية خاصة دفعت فيها أسرة الطالب أموالًا طائلة حتى إنها تكاد تفوق مصاريف الدراسة بالخارج في بعض الدول، وضحّت بالغالي والنفيس من أجل أن يدرس ابنها ويُكمل تعليمه في بلده وبين أفراد أسرته، وفي يوم الفرحة الموعود يوم التخرج، جاءت المفاجأة أن التذاكر طرحت للبيع؟ بالله عليكم هل سمعتم عن تذاكر عائلية لحفل تخرج تُطرح للبيع!! وكأنَّ الوضع أشبه بدخول قاعة سينما أو حفل موسيقي؟ ليست المشكلة في مقدار المبلغ، ولكن في المبدأ ومعاملة الطلبة بنوعٍ من الاستغلال، على الأقل لا ينبغي ذلك في يومهم الأخير، يوم تخرجهم الأثير. هذه الحادثة قد تكون سابقة تحدث لأول مرة من إدارة كلية خاصة في السلطنة، تقوم ببيع تذاكر حفل الخريجين لطلبتها وكأنهم يحرمون ويصادرون فرحة طالب بيوم تخرجه رفقة أسرته.

الظاهر أننا أصبحنا نعيش في عالم مادي بحت؛ حيث لا مكان للسعادة دون مقابل، فهل تدرك إدارة الكلية أن من بين طلبتها من هم أبناء أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود لم يدرسوا على نفقتهم الخاصة بل على حساب الدولة، أو هناك من يعمل لقيمة التذكرة ألف حساب، فكيف لهم أن يدفعوا أموالًا لشراء التذاكر؛ فالفرحة لا تقتصر على شخصٍ واحد في العائلة، ويكفيهم ما يواجهونه من غلاء فاحش، وضرائب تقصم الظهر، والتزامات حياتية تزيد من أعباء الحياة صعوبة.

أعتقدُ أنه لا بُدّ من تدخل حازمٍ من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ كونها الجهة المشرفة على الكليات الخاصة في السلطنة، وأن تثقل يدها الرقابية على قطاع الكليات الخاصة، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الحوادث التي لا يوجد لها تفسير والتي لا تمت لقيم مجتمعنا وأصالته لا من قريب ولا من بعيد، ومنها- على سبيل الذكر لا الحصر- حفل التخرج المختلط في جلوس الخريجين جنبًا إلى جنب، بين بنات وشباب، فأين ذهبت قيمنا المجتمعية. وذاك الحفل الساهر الذي أقامته إحدى الكليات واحتوى على هرج ومرج تم نسبه فيما بعد لتبرير الموقف، إلى كثرة الجاليات الأجنبية الدارسة في تلكم الكلية؛ بل إن العدوى انتقلت للجامعات الحكومية من خلال الحفل الذي أقيم بجانب أحد المساجد في جامعة حكومية مرموقة، وكأن الأماكن كلها قد انعدمت! وإن كانت إدارة الجامعة بعدها أصدرت بيانًا توضيحيًا عن الحادثة، وهذا في حد ذاته نوع من تصحيح المسار بشرط عدم التكرار.

يا حبذا لو يكون هناك نوع من الرقابة الصارمة من الجهات المعنية وخصوصًا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ فبعض الأمور لا تقبل التهاون وغض الطرف، لا سيما فيما يتعلق بجيل الغد الذي من المفترض أن ينشأ على الرزانة، لا على الميوعة وسفاسف الأمور، وننتظر تدخل الوزارة لإيقاف اغتيال فرحة الأسر بحضور حفل تخرج أبنائها الطلبة؛ فهذا اليوم سيظل خالدًا في الذاكرة، ولكن ليس بثمنٍ لا يستطيع الجميع دفعه.