"ويُحِبُ ناقتها بعيري"‎‎

 

د.حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

ونحن على مرمى حجرٍ من احتفاء العالم أجمع بيوم اللغة العربية والذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر من كل عام ذلك اليوم الذي تمَّ فيه الاعتراف رسميًا باللغة العربية الفصحى كلغة عالمية سادسة في منظمة اليونسكو، ومع ذلك الاعتراف المستحق، وهذا الاحتفاء الواجب؛ فإني لا أريد أن أزج بكم في أُتون معمعة منكري الاحتفاء ليوم واحد لهذه اللغة وأدلتهم، ومؤيدي الاحتفاء وحججهم وعرضها عليكم ثم الترجيح بينها؛ لأن أولاء وأؤلئك لا يختلف اثنان على غيرتهم التي تفيض بها حججهم وبراهينهم وإنْ اختلفوا في طريقة حبهم لها واحتفائهم بها.

إنّ موضوع الاحتفاء باللغة العربية لهذا العام يحمل عنوان: "مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية" كما هو متداول في المنصات الإلكترونية، وهو بلا ريب فرصة مواتية لتسليط الضوء على هذه اللغة العظيمة وإبراز دورها التاريخي في نقل الثقافات للأمم الأخرى، والمساهمة الفاعلة في بناء الحضارة الإنسانية.

ومع إمكانات اللغة العربية العظيمة وقدرتها العجيبة وعبقريتها الفذة والتي قيل فيها بأنَّه "لا يُحيط بها إلا نبي" ندرك حينها أننا أمام بحرٍ متلاطمٍ من المفردات الغزيرة التي يستحيل عدها، وعبقريتها الفذة في توليد الألفاظ وما يصحب ذلك من معانٍ عن طريق الاشتقاق ورفضها للمبتذل من مفرداتها، ورشاقتها التي تتمثل في رفضها للثقل الصوتي كل ذلك وغيره يدعونا ويدعو غيرنا إلى الإعجاب بهذه اللغة وإكبارها وإنزالها منزلتها التي تستحقها، ولا يخفى على أحد ارتباط اللغة بأهلها الناطقين بها فيجعلها تتأثر بهم قوة وضعفاً فاللغة تحيا بهم وتموت بموتهم؛ فإنْ كانوا أصحاب حضارة لا شك أنّ لغتهم سيُنظر إليها نظرة احترام وتقدير وإنْ كانوا في ذيل الأمم فسيُنظر إليهم وللغتهم بعين الازدراء والاحتقار والدونية، وما زاد الطين بلة تقصير أهلها في نشرها وتعليم غير الناطقين بها والغيرة عليها.

وقد اكتسبت هذه اللغة قُدُسية خاصة ومكانة عالية في قلوب المسلمين؛ لأنها لغة القرآن الكريم ولغة خاتم الأنبياء والمرسلين -عليه وعليهم السلام- حتى أصبح المسلم من غير الناطقين بها، إذا وجد ورقة مرمية على الأرض وقد كُتِبت باللغة العربية تناولها واحتفظ بها لمكانتها عنده.

ومع تقصيري في هذه اللغة المباركة؛ فقد استبحت لقلمي أنْ يكون له قصب السبق في الاحتفاء بلغة الضاد التي طالما رفدته من مخزونها الثّر الذي لا يعرف النضوب أو الجفاف، وكان حقا واجبا عليه -أي القلم- رد القليل القليل من ذلك الكرم الكبير.

وقد أبدع شوقي حينما قال:

إن الذي ملأ اللغاتِ محاسنًا // جعل الجمال وسره في الضاد

وأخيرًا، أختمُ ما عنونت به المقالة مع أنّ القلم يريد أن يسترسل في ذكر محاسنها الكثيرة، لكننا وعدناه أن يكون له عودٌ في ذات الموضوع؛ فكان الختام مع السلام: "وأحبها وتحبني ويُحب ناقتها بعيري".