تكريم الموتى

 

عائض الأحمد

يقول أحد الحكماء في العصر الحديث "ماذا جنيت لكي أرحل ثم أجد الجميع يتحدث عنى ويذكرني ويخصص لي الصفحات ورسائل الماجستير والدكتوراه ثم يجتمع القوم ويتنادوا هل بقي له أحفاد نريد تكريم هذا الرجل فقد قدم الكثير وهو يستحق التكريم من الجميع دون استثناء".

أحبتي إنّه عجب العجاب ومنتهى الألم والعقاب أن تُكرِّموا ميتًا! لقد ذهب بكل ما له وعليه وجميل منك أن تستشهد بمقولة له أو تذكره في مشهد للاستدلال على أعماله ليس أكثر من ذلك؛ فتكريم الأموات من ربّ السماوات أفضى إلى ما قدم.

أين أنتم عنه في حياته؟ نحن للأسف لدينا حب للذات وكأن امتداح هذا أو ذاك يقلل من قيمته عند الثناء عليه. ولذلك لن تجد في الغالب كاتبا يمتدح زميلا له أو إداريا ناجحا يذكره زملاء العمل بما يستحق وقس على ذلك في جميع المجالات.

يقول أحد من قدموا الكثير للكرة العربية "أنا من الآن أذكر أسرتي برفض أي لقاء أو تكريم أو ظهور لهم في أي وسيلة إعلام بعد وفاتي والاكتفاء بتذكيرهم بالدعاء لي فقط".

الإنسان بطبعه يتمنى أن يرى إنجازه ويحب الثناء على أعماله ويرغب أن يقال له شكرا من الأعماق وليس رحمه الله كان مثالا يحتذى رحم الله الجميع أحياءً وأمواتا. ودائما ننفرد بالغرائب في مجتمعاتنا العربية؛ وأعتقد أنّ الغيرة والحسد لهما دور كبير في ذلك فأنا لن امتدح فلانا ولن أعطيه حقه نظير ما قدّم خوفا من تميزه.

لكن بعد وفاته يستحق؛ فلم يعد منافسًا ولم يعد متواجدًا ومن حقه علينا الإشادة به فقد كان وكان ويسرد لك مناقبه وحالك يقول ليته صمت.

المضحك حقًا أنّ البعض يظهر معتذرًا فهو على حد قوله كان مقربا جدا من المرحوم وعاشا ردحا من الزمن لم يكن يعلم أو يقدر مكانته ولكن ولله الحمد عرف ذلك متأخرًا. هنا فقط نعلم بأننا نملك من حب الذات ما يجعلنا نتجاهل الأحياء ونكرم الأموات.

ثم يختم الحكيم بقوله تجد شارعًا باسم هذا الأديب تخليدًا لذكراه، وأبناؤه لا يملكون منزلًا يأويهم أو أكبر دار نشر وأحفاده يتنازعون بعض مؤلفاته إلى الآن لضيق ذات اليد.

أعتقد جازما أنّه لو قدر له العودة لقال لكم أما تخجلون من أنفسكم؟

رحمك الله أيها الحكيم كنت تستحق التكريم ولكن!

ختامًا.. ليست كل الصفعات مؤلمة، البعض منها مُوقِظَة!

ومضة:

لا تتوقف كثيرًا للنظر إلى الخلف؛ فبعض الأشياء الصغيرة قد تعيقك عن إكمال الطريق.

يقول الأحمد: المشاعر في وجودك تنحني.