سياحة داخلية من ينقل إلى الدقم

 

سالم بن نجيم البادي

القرار الذي اتخذته العائلة هو قضاء إجازة العيد الوطني في ربوع الوطن الجميل وبعد التشاور واستبعاد خيارات أخرى خارج الوطن تم اختيار ولاية الدقم ربما لكثرة تردد اسمها في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حتى سميت بعاصمة عمان الاقتصادية واسمها المألوف والشائع حتى خارج عمان.

كنا 17 فردًا والمسافة من شمال ينقل؛ حيث منزلنا، الى الدقم أكثر من 600 كيلومتر، وقد مررنا على ثماني ولايات هي ينقل وعبري وبهلا ونزوى ومنح وأدم وسناو ومحوت، ومن ثم وصلنا الى الدقم الفتية الواعدة التي سررنا بما شاهدنا فيها من عمران ومشاريع ومبانٍ وموقع استراتيجي فريد، ذهبنا الى المطار والميناء الذي لم يسمح لنا بالدخول إليه لعدم وجود تصريح معنا، ولم تشفع لنا تلك الـ600 كيلومتر التي أخبرنا الحراس أننا قطعناها، حتى وصلنا الى الدقم. وصلنا ليلا واستقبلتنا أضواء الميناء الزاهية ولنكتشف روعة وجمال هذه المدينة والتي تُعلَّق عليها الآمال العريضة في أن تنافس كبريات المدن الاقتصادية في العالم.

طقس الدقم عذب ومعتدل وهواؤها عليل يشرح القلب ويسر النفس والوقت في أواخر شهر نوفمبر وهي هادئة  وبعيدة عن الصخب والضجيج والزحام ويألفها المرء ويصير أسيرا لحبها من الوهلة الأولى لحظة الوصول إليها.

زرنا حديقة الصخور وهي داخل المدينة وبها منحوتات صخرية عجيبة من صنع الخالق سبحانه وتعالى ولك أن تتخيلها كما تشاء: جمل، ديناصورات، إنسان يجلس، حيوانات، وأشكال وأحجام مختلفة؛ وكأن أنامل نحات محترف شكلتها. وعسى أن تضاف الى الحديقة بعض المرافق الترفيهية لجذب السياح مثل المقاهي الراقية أو مسرح للعروض الفنية والأمسيات الثقافية، وغير ذلك من اللمسات الجمالية، وهذا اقتراح بعض من يتابعون حسابي في تويتر بعد أن قمت بنشر صور بعض الصخور في الحديقة.

وقد تصادف وجودنا مع إقامة فعاليات "أمد الدقم" وهي فعاليات مختلفة مثل التخييم والغوص والطيران الشراعي ومسيرة أمد الدقم الشبابية وشاشات كبيرة لمشاهدة مباريات كأس العالم.

واستضافة المواهب الشابة في مجال الغناء ومعرض قرية أمد والقرية البدوية وملتقى النحاتين والتزلج بالألواح الشراعية وسباق الدراجات وفعاليات متنوعة ومختلفة لجذب السياح الى مدينة الدقم.

كانت الإعلانات عن "أمد" منتشرة في كل مكان في الولاية وأمد مبادرة طيبة وناجحة وحبذا لو استمرت طوال العام لأنني رأيت وقتها قد حدد من 25 نوفمبر الى 3 ديسمير أو أن تمتد طوال فصل الشتاء، ولا أعلم إن كانت هناك أماكن سياحة أخرى يمكن الذهاب إليها وتناسب جميع الناس حسب قدراتهم المالية.

وقد كانت اقامتنا في شقق مفروشة مقابل 35 ريالا للشقة الواحدة المكونة من ثلاث غرف ومطبخ وعدد 2 دورة مياه، كان المبلغ مناسبًا، خصوصًا أننا مكثنا فيها من الساعة العاشرة ليلا وحتى الساعة السابعة صباحاً فقط.

ثم كانت خاتمة زيارتنا إلى الدقم زيارة شاطئ الدقم الحالم الجميل الرائع ويوجد به فندق عالمي وحديقة العاب للأطفال قيد الإنشاء وبعض الكراسي والمظلات والإبحار الشراعي متاح بالمجان ضمن فعالية أمد.

ولاية الدقم جميلة ونظيفة وشوارعها فسيحة ومبانٍ ومرافق موزعة بطريقة مدروسة ومتباعدة في أماكن متفرقة تزيد من جمالية المكان. والمرجو أن تكون فعلا عاصمة عمان الاقتصادية والمكان الذي سوف يسهم في جذب الاستثمار وتنشيط التجارة والصناعة وخلق فرص عمل هائلة للعمانيين ووجود نقلة نوعية تقود إلى المزيد من الرفاهية والرخاء والعيش الكريم للناس في عمان هذا هو الأمل والرجاء الذي نسأل الله تعالى أن يتحقق ليس في 2040 فقط ولكن في القريب العاجل. والأمل أيضا في الميناء وموقعه الفريد الاستراتيجي الذي أشعرنا بالزهو والفخر والإعجاب بما رأيناه في الدقم.

والتسع ولايات التي زرناها كلها لها ما يميزها من الجمال والتنوع الجغرافي والتضاريس مثل الجبال والأودية والأشجار والصحراء التي تنوعت هي كذلك بين صحراء رملية وصخرية وقاحلة أحيانا وخضراء أحيانا أخرى ومنظر الغروب والشفق ومشاهدة الجمال والأغنام من بعيد على جانبي الطريق الذي يبهج قلوبنا نحن البدو وتظهر المباني والقرى المتناثرة على طول الطريق مشاهد تهون عليك تعب السفر الطويل.

ولا ننسى جمال المدن التي مررنا بها والتطور الهائل في المباني والمنازل والأسواق والطرق وكل شيء كان ضاحكا ومستبشرا خيرا في المستقبل الزاهر المشرق في ظل النهضة المتجددة التي يقودها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وتعاون وتكاتف جميع أبناء عمان المدهشة المتفردة بالجمال، وهي مؤهلة ومناسبة لأن نقضي فيها أجمل الأوقات وأسعدها وأن نزور جميع مناطقها وفي كل مرة سوف نكتشف شيئا جديدا ومثيرا ومساحة عمان شاسعة ومن التقصير في حقها أن نجهل الكثير من الأماكن فيها بينما نتسابق للسفر إلى الدول الأخرى.

وهذا لا يعني أن لا نسافر إلى خارج عمان ولكن لنعطي عمان حقها فهي أمنا العزيزة الغالية الحنون المعطاءة الكريمة وهي الحضن الذي يمنحنا الدفء والأمان والسلام.