مُمكِّنات العمل الحر

 

أحمد بن خلفان الزعابي

اختلف الزمان، ومعه اختلفت أدوات كسب المعيشة وحدثت تغيرات كبيرة في المفاهيم التقليدية المتعارف عليها لاكتساب الرزق، فأصبح البحث عن الفرص هو المنطلق نحو العمل لا البحث عن الوظيفة كما كان سابقًا.

العمل الحُر الذي سأتحدث عنه في هذه المساحة هو ليس العمل التقليدي أو ريادة الأعمال بل هو العمل الحر الفردي المبني على استغلال الفرد لمهاراته التي يتقنها لاستغلال الفرص المتاحة لأجل كسب المعيشة والذي لا يرتبط بموقع جغرافي أو حدود زمنية والذي يُطلق عليه باللغة الإنجليزية Freelance Work، وقد سبق لي بتاريخ 21 أكتوبر 2021 أن نشرت مقالاًعلى جريدة الرؤية تحدثت خلاله عن هذا النوع من الأعمال والمنصات الإلكترونية المتاحة حول العالم التي يمكن للأشخاص الموهوبين أصحاب المهارات الاستفادة من خلال العمل الحر، ولفترة قريبة لم يكن لدينا في سلطنة عُمان أية إجراءات تنظيمية لهذا النوع من الأعمال، وبالتالي فهو لم يأخذ الصفة الرسمية وكانت هناك الكثير من التحديات التي تواجه شبابنا العاملين ضمن هذا النوع من الأعمال.

ولأن العمل الحر يُعدُ كأحد المبادرات المحورية التي تبنّاها البرنامج الوطني للتشغيل لأجل تأطيره بإطار تشريعي مع توفير مجموعة حزم تضمن كافة سبل الدعم والتمكين لكي يتحول الشباب الموهوبون الذين يتمتعون بالعديد من المهارات التي تمكنّهم من الانتقال من شريحة الباحثين عن عمل إلى شريحة العاملين ضمن فئة الأعمال الحرة، وذلك لكون العمل الحر يُعد أحد خيارات التوظيف الذاتي.

وبحسب المبادرة التي أطلقها البرنامج الوطني للتشغيل في سلطنة عُمان مُؤخراً، سيتم إنشاء منصة إلكترونية عُمانية ليتمكن الشباب العماني من التسجيل في المنصة كلٌ بحسب المهارات التي يتقنها مع إمكانية عمل ملف شخصي Profile حتى يستطيع من خلاله الشاب تقديم نفسه وعرض مهاراته على طالبي الخدمة، مع عرض الفرص المتاحة عبر الجهات الحكومية أو منشآت القطاع الخاص، كما سيعمل البرنامج الوطني للتشغيل كذلك خلال الفترة القليلة القادمة على توفير 8 حزم دعم وتحفيز للعمل الحُر الفردي، وستركز الحزمة الأولى على تسجيل الشباب الراغبين في العمل الحُر لدى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار. وهنا لا يشترط العضوية لدى غرفة تجارة وصناعة عُمان أو غيره من التراخيص الأخرى، كما ستأتي الحزمة الثانية لتتيح أمام الشباب التسجيل لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في نظام التأمينات الاجتماعية على العمانيين العاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم وهو نظام مدعوم بشكل كبير من الحكومة ويوفر مظلة حماية اجتماعية لصاحب العمل الحر مما يتيح له ولأسرته الاستفادة من المنافع والامتيازات التأمينية العديدة التي يوفرها هذا النظام.

فيما ستأتي الحزمة الثالثة لتُمكّن صاحب العمل الحر من التسجيل لدى هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحصول على بطاقة ريادة وبالتالي ستتيح أمامه الاستفادة من المميزات التي توفرها بطاقة ريادة لرواد الأعمال، أما الحزمة الرابعة فستشمل تمكين صاحب العمل الحر من فتح حساب بنكي مخصص لإدارة المالية والذي يتيح إيداع الدخل اليومي مع إمكانية التسجيل في النظام المحاسبي لإدارة المدخولات والمصاريف لصاحب العمل الحر ومتابعة أدائه المالي، وهذه ميزة جديرة بالاهتمام من جانب البرنامج الوطني للتشغيل حيث ستُمكّن صاحب العمل الحر من التعامل بشكل مباشر مع الجهات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص فيما يتعلق بإنجاز هذا النوع من الأعمال.

أما الحزمة الخامسة فإنِّها ستتيح لصاحب العمل الحُر المتفرغ الاستفادة من مبادرة دعم الأجور التي تشرف عليها وزارة العمل بحسب الضوابط التي سيتم الإعلان عنها لاحقًا، وسيستفيد من هذه المبادرة كل من هو متفرغ لمدة عام حتى يضمن دخلا مستقرا يساهم في مساعدته على إثبات جدارته للآخر من خلال التسويق لنفسه والمهارات التي يمتلكها حتى يتمكن خلال هذه الفترة من حجز موقع بين مقدمي خدمات الأعمال الحرة لصالح الغير.

وستأتي الحزمة السادسة لتمكين أصحاب الأعمال الحرة للاستفادة من التسهيلات المالية والحلول التمويلية من خلال إمكانية الحصول على قروض بدون فوائد من بنك التنمية العُماني وبعض البنوك التجارية لغاية 5000 ريال عُماني بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من البرامج التمويلية التي تقدمها هيئة تنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة، كذلك إمكانية الاستفادة من المميزات التي تقدمها شركات التمويل التجارية ضمن برامج تمويل الأصول الثابتة وذلك بحسب الضوابط والشروط.

أما الحزمة السابعة فستتيح قيام مجلس المناقصات بتخصيص ما نسبته بين 1 إلى 10% من العقود لصالح أصحاب الأعمال الحرة عبر المنصات التي سيتم الإعلان عنها لاحقًا، وطبعًا هذا خلاف النسبة المحددة لرواد الأعمال في الأصل، بالإضافة إلى عقود مخصصة لهم بواسطة منصة نفاذ التابعة لهيئة تنظيم الاتصالات، أما الحزمة الثامنة فستتيح لأصحاب العمل الحر الاستفادة من الإعفاء من سداد ضريبة الدخل للمبيعات التي تقل عن 150 ألف ريال عُماني سنويًا.

إنَّ العمل الحُر خلال هذه الفترة يُعد إحدى مُسرّعات التوظيف نموًا على مستوى العالم؛ حيث إن 38% من القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الفترة فقط هم من فئة العمل الحر، وإن بلادنا ماضية نحو الاهتمام بتطوير منظومة العمل الحر وتوفير كافة سبل التمكين والدعم لأنَّ هذا التوجه يعد أحد الحلول غير التقليدية لتوفير فرص العمل للشباب الباحثين عن عمل بالإضافة إلى إمكانية استفادة الشباب من الفرص المتاحة محليا ودولياً ولذلك فإن البرنامج الوطني للتشغيل يعمل على توقيع الاتفاقيات مع جهات ستوفر فرص العمل والتدريب والتأهيل للراغبين من الشباب في الالتحاق بالركب ومواكبة التوجه العالمي نحو اقتناص فرص العمل التي ستساهم في رفع معدل دخل المشتغلين في الأعمال الحرة.

نختمُ مقالنا بقصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف عندما قدِمَ المدينة المنورة مهاجرًا في سبيل الله؛ حيث آخى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بينه وبين الصحابي الأنصاري سعد بن الربيع الخزرجي رضي الله عنهما، وبذلك فقد عرض عليه الأخير أن يختار إحدى زوجتيه ليُطلقها ويتزوجها عبد الرحمن بن عوف بعد انقضاء العدة، وكذلك مقاسمته نصف ماله، إلّا أنَّ الصحابي عبدالرحمن بن عوف أعرض عن كل هذه العروض، وطلب أن يدلّه على السوق فقط ليشتري ويبيع بالدريهمات التي كانت في جيبه، حتى أصبح يملك المال، ومن أغنى الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين.