الإدارة بالمزاج

 

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

"القيادة" هي عبارة عن عملية تأثير إيجابي أو سلبي في سلوك الأفراد والجماعات؛ من خلال مجموعة من المهارات والخبرات والسلوكيات التي يتحلَّى بها المسؤول أو المدير؛ بُغية تحقيق الأهداف التي أُوجِدت لها المؤسسة. والإنسان كائنٌ يتأثر بالبيئة المحيطة به؛ فهو نتيجة مجموعة تفاعلات نفسية واجتماعية وخبرات علمية وعملية تؤثر في سلوكياته داخل منظومة العمل.

وتعدُّ الحالة النفسية من أهم الأمور التي تؤثر في أداء الأفراد والمؤسسات على حدٍّ سواء؛ فمن أهم المهارات المتطلبة لإنجاز المعاملات في مؤسساتنا العربية: امتلاك مهارة قراءة نفسية الإدارة ومزاجها، وهذه المهارة تتطلَّب خبرات خاصة وسنوات من مراجعة المؤسسات.

وتتميَّز الإدارة المزاجية بالغموض في إجراءات إنجاز أية معاملة ليست واضحة؛ فعلى سبيل المثال: قد تُنجز المعاملة في يوم أو أسبوع أو عدة أشهر والسبب غير معروف. وإذا دخلت مؤسسة ما، ورأيت وجوهًا مكفهرة وعابسة فلا تتوقع أن تمر معاملتك بسلام؛ فأنت في انتظار العديد من المطبَّات الإدارية، قد تطول أو تقصر وفقا للحالة المزاجية للإدارة.

ومن المعلوم أنَّ الحالة المزاجية قد تتأثر بأحوال الطقس والحرارة والبرودة والزحمة وهموم الموظف والترقيات والجزاءات والإجازات ووضوح اللوائح والقوانين.. لكنَّ أهم عامل: مزاج المدير أو المسؤول؛ فحالته المزاجية تؤثر على مزاجية جميع الموظفين والمراجعين وعلى بيئة العمل ككل؛ فهى تعدُّ عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين أروقة المؤسسات، ولا تِرياق لها غير انتظار انتهاء الحالة، ودخولها مرحلة السبات. في كل صباح وقبل وصول المسؤول إلى المؤسسة، يترقَّب الموظفون هذا الوصول بأحرِّ من الجمر، ليس حُبًّا أو شوقا، ولكن لمعرفة مزاج المدير. كما يُعد هاتف مُنسق المدير الترمومتر الذي يقيس الحالة المزاجية؛ لا يهدأ جرس الهاتف من كثرة الاتصالات التي تسأل عن مزاج المدير اليوم وكل يوم! فإذا كانت حالته المزاجية جيدة، يسود التفاؤل في بيئة العمل، ويتحول مكتبه إلى خلية نحل وجو من السعادة والنشاط بين طلب إجازة، وطلب نقل لقسم آخر، وطلب موافقة على المشاركة في مؤتمر أو مهمة عمل خارجية، أو مكافأة...إلخ، ناهيك عن المراجعين الذين يُسارعون في تقديم طلباتهم وشكواهم، فاليوم هو يوم السعد! أما إذا لم تشرق شمسه ذلك اليوم، فيمكنك أن تتخيل ما الذي سيحدث!!!

ليس مُبرِّرا أنْ يسوق الموظف أو المدير مشكلاته إلى بيئة العمل، وأن يدير العمل وفقا للحالة المزاجية ويحول المؤسسة من بيئة إنتاج إلى صراعات وفشل.

إنَّ التقلب المزاجي للمسؤول -أيًّا كان موقعه في هرم المؤسسة- له تأثيرات سلبية على أداء العاملين؛ فلا يستطيعون أداء مهامهم وهم تحت الشعور بالتوتر أو الخوف، كما أنَّ المزاج السيئ قد يقود إلى قرارات سلبية وتخبُّط في القرارات؛ مما يؤثر على سير العمل ومخرجاته.

هُناك قلة مِمَّن يمتلكون زمام أمزجتهم فيديرونها بحكمة واقتدار؛ فليس كل مسؤول أو مدير يتحلى بسمات القائد الناجح؛ فالقادة هم مُلهمون، يلبون احتياجات الموظفين والمراجعين، ويُعيرون اهتمامًا لسير العمل، ولديهم مهارات تواصل عالية وذكاء اجتماعي وعاطفي.

عالم الإدارة عالم مليء بالنظريات والمصطلحات التي تشخِّص سلوكيات المؤسسات والموظفين، وتحدد أنواع الإدارة؛ فهناك الإدارة بالتخويف، والإدارة بالتفريق، والإدارة بالأهداف، والإدارة تحت ضغوطات، قد تبحث عن بعض هذه المصطلحات بين كتب الإدارة، لكن لن تجدها بمعناها الحرفي، إلا أنَّه في الحقيقة واقع معاش داخل المؤسسات.

الموظف هو إنسان قد يمرُّ بحالات كثيرة، ويكون عُرضة لتقلب الحالة المزاجية نتيجة الضغوطات العلمية والشخصية، إلا أن من مهارات العمل: القدرة على إدارة التقلبات المزاجية والضغوطات المختلفة كي لا يتأثر العمل والإنتاج.

فالإدارة والقيادة لا تنسجمان مع أصحاب الشخصيات المتقلبة، حتى وإن كانوا متفوقين عمليا وعلميا؛ فمن يُدير فريقَ العمل يجب أن يتمتَّع بمهارات ضبط النفس، وإدارة الانفعالات والقدرة على تحقيق التوازن بين ظروفه، ومصالح العمل والآخرين.

... في بيئة العمل، يحتاج الموظفون إلى دعم الصحة النفسية، وإدارة التوتر والارتقاء بالصحة النفسية داخل المنظومة؛ لذلك فإنَّ قدرة المسؤول على إدارة أعباء العمل يُحقِّق نوعا من التوازن النفسي لدى العاملين. ومن المفترض أن تضع المؤسسات الأسس العلمية والضوابط التي تحدِّد سير العمل بمهنية، لتجنبها حالات التخبط والفشل؛ نتيجة تقلب مزاج الإدارة، حتى لا تتحول المؤسسة إلى مؤسسة تُدار حسب نفسيات عامليها.

إنَّ الإدارة المزاجية هي بيئة خصبة لانتشار المحسوبيات، وعزل الكفاءات، وتلاشي مبدأ تكافؤ الفرص بين العاملين.. هي بيئة مُنفِّرة، غير منتجة، لا تتبع معيارا واضحا للعمل.

لابد من إعادة النظر في معايير اختيار الموظفين في الوظائف الإشرافية؛ بحيث تتجاوز التفوق العلمي والمهارات الإدارية إلى وضع معايير سلوكية ضمن شروط الاختيار.

لقد تطوَّرتْ مفاهيم الإدارة في بدايات القرن الواحد والعشرين؛ فأصبحت تعتمد على الأساليب العلمية والموضوعية للتوظيف؛ لأنها تحقّق نتائج أفضل وتحسِّن الإنتاجية.. ومن بين تلك الأساليب: نظام توماس، الذي يعد من الأنظمة المهمة في تطوير الموارد البشرية؛ فهو يساعد على فهم الجانب السلوكي للموظفين وتطويره بما يتناسب مع ثقافة المؤسسة وإستراتيجيتها؛ فالهدف الأساسي لـ"نظام توماس" مساعدة الموظفين في الوظائف الإشرافية، والقيام بواجباتهم على أكمل وجه وبكفاءة وفاعلية، عبر تطوير إمكانياتهم في بناء فرق العمل وإدارتها.

إن تطوير أداء أية مؤسسة مرهون بفاعلية موظفيها، وقدرة الإدارة على بناء بيئة عمل صحية، ومتى تمَّ تفعيل أخلاقيات المهنية في المؤسسات وأنظمة المساءلة وتقييم الأداء، بعيدا عن الأمزجة، سنرى تحولا كبيرا في الإنتاجية.. تقول إيندرا نوي: "إن كُنت ترغب في تحسين مؤسستك، فابدأ بتحسين نفسك".