زين بن حسين الحداد
"فضل باشا" شخصية ارتبطت بتاريخ ظفار، هنا من الأستانة إسلام بول (المعروفة الآن بإسطنبول)، أو كما يطلق عليها سابقًا في العهد الروماني والبيزنطي (القسطنطينية). ومن خلال زيارتي لمقبرة سلاطين الدولة العليّة شاهدت قبر الشريف فضل بن علوي بعد أن حط رحاله في آخر عمره بهذا البلد الذي كان قلب العالم الإسلامي وخط دفاعه الأول.
السيد فضل بن علوي بن سهل مولى الدويلة الحسيني الهاشمي المولود 1240 هـ/ 1824م وهو من ضمن أشهر أحفاد الإمام محمد بن علي صاحب مرباط خصوصا في الجانب السياسي والديني، وهو شيخ وعالم دين ومجاهد وأمير ومستشار للخليفة فيما بعد. بدأ مسيرته كمجاهد مع مسلمي الهند في كيرلا ضد الاستعمار الإنجليزي بمعية والده السيد علوي، وكان أحد أبرز القيادات الجهادية التي شكلت خطرًا ومتاعب على التواجد البريطاني في شبه القارة الهندية إلى أن تم القبض عليه، تم نفيه من الأراضي الهندية بشرط عدم العودة إليها مرة اأخرى بضمانة الدولة العثمانية، وغادر إلى حضرموت في اليمن، ومن هناك ذهب ليستقر في الحجاز؛ للاستزادة من العلوم الشرعية بمكة المكرمة، وظل هناك لسنوات عديدة، إلى أن التقى بوفد من أهل ظفار الحجاج وأعجبوا بغزارة علمه وشخصيته وبايعوه على أن يكون أميرًا عليهم، إلّا أنَّ إمارته لم تدم طويلًا نظرًا للتجاذبات السياسية للقوى العظمى في المنطقة وبداية تشكل النظام العالمي الجديد وزاد الأمر تعقيدًا قيام عدة جماعات بمعارضة إمارته والتمرد نظرًا لتمسكه بالأحكام الإسلامية وتطبيقها على الجميع بلا استثناء ولمحاربته بعض العادات التي لا تتوافق مع الدين وكذلك لمشاكل اقتصادية أخرى، فقام بمغادرة المنطقة.
تلقى دعوة من السلطان عبد الحميد الثاني خليفة المسلمين- آنذاك- وسلطان الدولة العثمانية، للذهاب إليه وأصبح أحد مستشاريه وخلع عليه رتبة باشا في الباب العالي (مقر الحكم العثماني)، وكان الخليفة معجبًا به ويقال إنَّ سكة الحديد التي تربط الأراضي التركية بالحجاز كانت فكرة السيد فضل.
وتوفي فضل باشا في إسطنبول عام 1318هـ / 1900م تاركًا خلفه تاريخًا كبيرًا في عدة أقاليم (كيرلا بالهند، حضرموت، الحجاز بمكة، ظفار، إسطنبول) ولا شك أن لهذه الشخصية جوانب أخرى كثيرة مخفية لم تدون إلا أن تأثيرها واضح وكان ذو أفكار تنويرية وخطط توسعية عظيمة للأمة الإسلامية.
اليوم أكتبُ هذه المقالة وأنا أمام قبر هذا العالم الجليل بمقبرة السلاطين في حي شمبرليتس تاش بمنطقة السلطان أحمد في إسطنبول الأوروبية، ويقع قبر السيد فضل في منتصف المقبرة، وتضم المقبرة ضريح السلطان عبدالعزيز والسلطان محمود الثاني وكذلك السلطان عبدالحميد الثاني آخر خلفاء العالم الإسلامي.