د. عبدالله باحجاج
يُشكِّل قرار تمديد حظر صيد وحيازة الصفيلح لمدة عامين مُفاجأة كبرى للغواصين في محافظة ظفار، الذين كانوا يترقبون رفع الحظر خلال موسم 2022، وقد التقى بنا بعضهم، وآخرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل صدور القرار الجديد الذي جاء بمثابة تمديد لقرار الحظر منذ موسم 2020، وفي لقائنا مع هؤلاء الغواصين وقفنا على حجم رهاناتهم على هذا الموسم؛ لأنه يأتي بعد إغلاقه لموسمين سابقين، وهذا في حد ذاته يؤزم الأوضاع المعيشية للكثير منهم، في ضوء الغلاء والضرائب والرسوم ورفع الدعم عن خدمات أساسية.. وفي ضوء حالات التسريح والتقاعد وضعف مرتباتهم، خاصة وأن الحظر كان من المفترض أن ينتهي.
يظل البحر خيارهم الأوحد للتنفس من حالة الاختناق المالي، لذلك نوجه تساؤلهم الى وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه: متى يُفتح موسم صيد الصفيلح؟
قبل صدور القرار الأخير، كانت هناك حالة ترقب عالية لسماع نبأ فتح الموسم الجديد، وسيكون من أهم ما يميزه، اتساع قاعدة الغواصين بصورة كبيرة، فقد انضم للقدامى الكثير من المسرحين والباحثين عن عمل والمتقاعدين، وكل من التقينا بهم، وثلاثة منهم نعرفهم شخصيًا، قد تحولت ملامحهم البيضاء إلى سمراء بسبب استعدادهم للموسم 2022 عبر ممارسة الجري بهدف تعزيز قدرة الجهاز التنفسي وفتح الرئتين، كما مارسوا السباحة لتقوية عضلات القلب، وزيادة كفاءة الدورة الدموية، وقد أوضح لي أحدهم أن استعداده استغرق حتى الآن أكثر من شهر ، ربما لأنه حديث عهد بالغوص، وهو ينتمي لفئة المسرحين.
لكنه، ومثله الجدد، قد يصطدمون بقيد قانوني في حالة إذا لم تفتح الوزارة باب استخراج رخص الغوص، واقتصرت على من عنده رخص سابقة، وسارية المفعول، وهنا، ندعو الوزارة إلى الانفتاح على حجم الإقبال الجديد على الغوص اعتدادًا بالظروف الجديدة التي تقف وراء إقبال الباحثين عن عمل والمتقاعدين والمسرحين على الغوص على الصفيلح، وفي الوقت نفسه، يطلبون من الوزارة إعفاء الباحث عن عمل والمسرح والمتقاعد من دفع الرسوم للحجة ذاتها؛ فهناك مجموعة مصالح عامة وخاصة ستتحقق من جراء فتح الموسم سريعًا بعد الانتهاء من مدة الإغلاق، أبرزها أنها ستوجه بوصلة اهتمام الباحث/ الشاب والمسرح والمتقاعد إلى التفكير في إيجاد مصدر الرزق ولو مؤقتًا، وتحسين مصدر دخل المتقاعد.. إلخ.
وبالتالي، فالبحر وجهة مستهدفة للشباب، ستشغلهم وسينشغلون بها، وستحل الكثير من مشاكل البعض المتراكمة، وقال لنا أحدهم حرفيًا "إن فواتير الماء والكهرباء مؤجلة حتى موسم الصفيلح"، فيما قال آخر "إن هناك ديونًا تراكمية وأخرى تستحق الوفاء بها، وأترقبُ فتح الموسم"، وسنجد وراء كل شاب قصة حياتية معاصرة تقف وراء رهاناته على البحر. وكلنا نعلم أن الغوص لصيد الصفيلح في البحر ليس بالعملية السهلة، أو الخالية من المخاطر، لذلك هو خيار ينبغي أن يقدر ويعتد به مؤسساتيًا لمجموعة مصالح قديمة وجديدة تتوقف عليه.
وقبل قرار الحظر الجديد، كانت التوقعات تشير إلى موسم صفيلح ذهبي بعد حظر الغوص لموسمين متتالين 2020 و2021، وكانت التوقعات كذلك تتجه نحو أن يكون العرض أكبر من الطلب مما قد يعني انخفاضًا في سعره. وكما هو معروف فإنَّ الصفيلح من أهم مواسم الصيد في محافظة ظفار، وينحصر وجوده في الشواطئ الواقعة بين ولاية مرباط ونيابة شربثات بولاية شليم وجزر الحلانيات، إضافة إلى وجود مصائد صغيرة بنيابة صوقرة بمحافظة الوسطى.
وتنفرد سلطنة عُمان دون غيرها من الدول العربية بتوفر هذا الكائن البحري الرخوي الذي تتواجد منه أنواع أخرى في الصين واليابان وجنوب أفريقيا وكندا وأمريكا وأستراليا، وأسعاره مرتفعة وهي تصل ما بين 40 و50 ريالًا للكيلوجرام، وقد تقل وقد تزيد حسب الطلب والعرض. ويرجع البعض ارتفاع قيمة الصفيلح إلى تحديد مواسم صيده، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الشركات المنافسة، وكذلك الطلب المتزايد عليه؛ حيث يُعد الصفيلح المصطاد في عُمان من أجود الأصناف في العالم، ويُعرف عربيا باسم "أُذن البحر" وعالميًا بـ"الأبالوني"، ويُعد من أشهر الأطعمة البحرية في العالم.
لن تتحمل أوضاع الغواصين القدامى والجدد المزيد من التأخير لموسم الصفيلح، وهم يقدرون أسباب إغلاقه لموسمين، لكنهم يرون في الوقت نفسه، أن إغلاقه لموسمين مدة كافية لنموه وتكاثره، خاصة وأن فترة الغوص لكل موسم محددة زمنيًا؛ أي ليست مفتوحة، وقد لا تتجاوز 20 يومًا، وهذا الإجراء في حد ذاته من بين أهم شروط المحافظة على هذه الثروة التي لا تُقدّر بثمن.. فمتى سيسمعون خبر فتح موسم صيد الصفيلح بعد تجديد الحظر حتى 2023؟!
الكثير من الأسر في مناطق الغوص تستفيد من المواسم؛ سواء عن طريق إيجار الشقق أو تنشيط الحركة التجارية فيها، ففي مواسم الغوص تتغير وجه هذه المناطق على مدار اليوم، ويتحول ليلها إلى نهار، وتستقطب الزيارات من كل ولايات محافظة ظفار في مشهد لا يتكرر إلا مع مواسم صيد الصفيلح، وهذا موسم ينبغي أن يتحول الى مستهدف سياحي؛ حيث يُقام مهرجان سنوي للصفيلح في المكان الأكثر غوصًا، والأكثر إقبالًا عليه، بهدف تعظيم المصالح وتعددها وتنوعها، والاستفادة منها أكبر عدد ممكن. ومثل هذا المهرجان سيجذب زوارًا أكثر عن أي وقت آخر، كما سيُقيل عليه أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالذات أصحاب الأكشاك المتنقلة التي أصبحت ظاهرة شبابية جديرة بالدعم، فهم تجدهم حيثما تكون فعالية ترفيهية..
لذلك هناك مجموعة مصالح اجتماعية متعاظمة، وأخرى اقتصادية من وراء هذه المواسم، ومن هنا نؤكد أن الأمر لا يحتمل تأخير الموسم طويلًا.